الثلاثاء، 20 أبريل 2010

كلمات في الوسطية

في التاريخ الإسلامي غبار كثير تراكم ، متدرجاً من البسيط إلى المركب ، حتى أصبح خلال قرننا الرابع عشر المنصرم قوالب حجرية جامدة يصعب زحزحتها عن مواقعها .
إنها قوالب نمت في مسيرتنا التاريخية كما تنمو الأتربة التي سرعان ما تصبح أكواماً تحجب الرؤية ، وتفرض نفسها كجزء من الحقيقة الأرضية ، بينما هي في أصلحا أمشاج متناثرة وفدت من كل الأصقاع ، وحملتها مختلف الأعاصير ، كما يحمل كل عنهن منفوش لا وزن له !!
وقد جنحت هذه الأتربة الكثيفة على " العلم المسلم " بحيث أصبح هذا العقل المكافح في حاجة إلى قوة هائلة كي يتمكن من زحزحتها ، وإعادتها إلى أمشاج متناثرة تتجه إلى صوب آخر .
ولنبدأ بعقيدة المسلم ، فأين هي عقيدته التي نزلت على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وتلقاها جيل الصحابة صافية نقية بينماهي تهبط من فوق إلى تحت ، ثم تظهر آثاره الصافية النقية بينما هي صاعدة من تحت إلى فوق .
إنها ، كما هبطت صافية نقية ـ تتلخص في آيات محدودات بريئة من شوائب الجدل المنطقي أو " الدبالكتيكي " .{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنه ولا نوم ، له ما في السموات وما الأرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } [ البقرة : 255 ] .
{ قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا احد ، } [ الإخلاص : 1-4] .
{ ليس كمثله شئ } { آمن الرسول بما أنزل من ربه والمؤمنين كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [ البقرة : 285 ] .
اين هذه العقيدة البسيطة التي تلقتها الفطرة السليمة فوجدت فيها حقيقتها الكاملة ، وجوهرها النقي ، فتفاعلت معها تفاعل الدم مع القلب ، وانطلقت بها فطرة الرعيل الأول تنفض عن البشرية غبارها المتراكم ، وترفع لواء " لا إله إلا الله محمد رسول الله " من طنجة إلى جاكرتا ، بل في قلب أوروبا فيما قبل جبال الرانس فيما رواء البرانس حتى " بواتييه " على أبواب باريس !!
وفي كل ذلك مروراً بميراث أكبر امبراطوريتين في عالم القرن السابع الميلادي دوت صيحة " الله أكبر " حتى وصلت إلى عنان السماء ، فعاد الهاتف العلوي الهابط من السماء إلى الأرض ، يصعد مرة أخرى من الأرض إلى السماء في أكبر علمية التحام بين الإرادة الإلهية والإبداع البشري في تاريخ هذا الإنسان على هذا الكوكب الصغير .
أين هي العقيدة الصافية النقية ، وأين هي إنسانها ، ذو الفطرة السليمة ؟ وأين هم من هذا الركام من التصورات والأباطيل التي نمت في عقل المسلم وجعلته كينونة غريبة بين الإيمان والشرك في سياق واحد { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } ] يوسف : 106 ] ، أجل : أين فقه العقيدة لا " علم الكلام " إنها عقيدة ودعوة ، عقيدة ورسالة تتجه للإنسانية كلها .
إن عقيدة المسلمين التي فتحوا بها العقول والقلوب والأرض هي تلك العقيدة الإسلامية البسيطة الحية الإيجابية الفاعلة التي خرج بها المسلمون في العهد النبوي ، في غزوات وسرايا وبعوث بلغت خلال عشرة أعوام أكثر من ثماني وستين غزوة وسرية وبعثاً .
وهي كذلك ـ هي العقيدة التي واجه بها المسلمون أباطرة الأرض وقياصرتها في العهد الراشدي وكأنهم يواجهون بقوة السماء ضعف الأرض ، وبشموخ الحق انحدار الباطل ، لقد واجه بها خالد وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص أعنف معارك التاريخ حتى عصرهم ..!
ووقف بهذه العقيدة ـ ضابط صغير من ضباط المسلمين يدعى ربعي بن عامر يقول لرستم قائد الفرس : ( لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل منا ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه تركناه وأرضه .. ) .
ولم تكن العقيدة في فقههم إلا الحياة ، فلا حياة بلا عقيدة ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال 24 .
ولم تكن الحروب في منهجه إلا حروب عقيدة ودعوة لا معارك سياسة ودولة .. إن كل جندي مسلم كان يحس بأنه ( عمر بن الخطاب ) وخالد بن الوليد ) وأن النصر إنما هو انتصار لقضيته هو في الأرض … كان كل منهم جيشاً عقديا يسعى لتحرير البشرية من عبودية العباد إلى عبودية الله .. وكان آخر ما يفكرون فيه المغنم والمتاع .. كانوا رسل عقيدة التوحيد الصافية النقية ، وكانوا يجوبون بها العالم .. ماضين تحت رايتها بعيداً عن التشرذم والتمزق الفكري والعقدي والنفسي الذي عانى منه المسلمون في عصرهم الحديث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق