الأحد، 28 مارس 2010

نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك

****************************************************
****************************************************
رســــالـــــة




نُصرَة النبي الصادق
في
الردِ على إساءةِ الدنمارك



تـــألـيــف
وجــدي عبـد اللطــيف سالم أبوراس


2008 م

---------------------------------------------------------------------------------

نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 5 )




بـســــم الله الرحـمــــن الرحـــيــم


الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى ، المختص بالملك الأعز الأحمى ، الذي ليس دونه منتهى ، ولا وراءه مرمى ، الظاهر لا تخيلاً ولا وهما ، الباطن سبحانه تقدساً لا عدما ، وسع كل شيء رحمة وعلما ، وأسبغ على أوليائه نعمّاً عمّاً ، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم عرباً وعجماً ، وأزكاهم صلى الله عليه وسلم محتداً ومنمى ، وأرجحهم عقلاً وحلماً ، وأوفرهم علماً وفهماً ، وأقواهم يقيناً وعزماً ، وأشدهم بهم رأفةً ورُحمى ، وزكّاه روحاً وجسماً ، وحاشاه عيباً ووصماً ، وآتاه حكمةً وحُكماً ، وفتح به أعيناً عُمياً ، وقلوباً غُلفاً وآذاناً صُماً ، فآمن به وعزره ونصره من جعل الله له في مغنم السعادة قسماً ، وكذّب به وصدّ عن آياته من كتب الله عليه الشقاء حتماً ، فالقائل  :
 لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين 

ونصلي ونسلم بمحبة وإكبار ، وتعظيم وإجلال ، على سيد الأولين والآخرين ، سيدنا محمد ابن عبد الله ، رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد ،،،
إلا رسول الله  ، إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ..

قُل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ، لا تعتذروا قد كفرتم 
 إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنـهـم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مُهيناً  ...
( 6 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك




يا من ملأتُم أقلامكم بنداءٍ نجسٍ قذرٍ عفن ..


فبملغ العلم فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلهم

آهٍ يا مسلمون . . يتطاول الأقزام على النبي الإمام ، وينال السفهاء من سيد الأنبياء ؛ إلى هذا الحد ! يُسيئون لسيدنا المصطفى  ، على مرآى ومسمعٍ من العالم المتحضر ، الذي قُدِّم لنا على أنه نموذج الحضارة وإكسير السعادة ، يُسيئون لسيد الكائنات  ، بدعوى حرية التعبير المزعومة .

واللهِ أنا أتحدَّى قزماً من هؤلاء ، أن يتطاول على قسيس أو على حاخام أو أحد الرهبان ! والذي يُدمِ القلب ، ويحزن النفس ، أن يتعاطف مع هذه التي يسمونها الدنمارك كل دول أوروبا بالأمس القريب ، بل وأمريكا التي تدعي أنها رائدة الحضارة الإنسانية في العصر الحديث ! . لماذا ؟ ..
لأنَّ المسلمين همجيون ، متطرفون ، أصوليون ، فوضيون ،لا يعيشون إلا في عصور الظلام ، لا يعيشون عصور الديمقراطية المشؤومة ، ولا يعرفون حرية التعبير المزعومة لمجرد أنهم قاموا على قلب رجل محب واحد للحبيب ، ليعلنوا عن غضبهم لحبيبهم ونبيهم ؛ بل وتُهدِّدُ أمريكا ، بقطع المعونات عن الدول الإسلامية .

وبكلِّ بجاحة خرج علينا الكافر الحقود بوش رئيس أمريكا السابق ليهدِّد بوقاحة ويقول : على العالم الإسلامي أن يحترم نفسه ويحترم حقوق الدبلوماسيين !


نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 7 )



أرأيتم يا مسلمون ! .. إنه سياسة الكيل بمكيال واحد ، ولا تصدِّقوا من يقول سياسة الكيل بمكيالين ، إنها سياسة الكيل بمكيال واحد ، إنها سياسة العداء لسيد الكائنات  ، والعداء للإسلام .

فلماذا لم يوجَّه هذا للدنمارك ؟ .. لماذا يا إخوة ؟ .. لأنَّ الكفرَ ملةٌ واحدة .
فو الله الذي لا إله إلا هو ؛ لن ينصر الكفر توحيداً ولا إيماناً قط ! .



في زمن الردة والبهتان ارسم واكتب
ما شـــئت ولا تخجـــــل فالكفــــــــر مباح يا فنان
فزمان الردة نعرفه ، بلا نكــــــــــــــران
إن ضلّ القلب فلا تعجب أن يسكن فيه الشيطان
أســــــــــــــألك بربك يا فنـــــــــــــــــــــان
هل تجرؤ أن تكســـــــر يوما ً أحــد الصــلبــــــــــان
خـــــــبرنـــــي يوماً يا فنـــــــــــــــــــــــــان
حين تفيق من الهذيان ، هل هذا حق الإنســــــــان ؟
أن تشـــــعل حقدك بالإســــــــــــــــــــــلام
أن تشعل نارك في القرآن ، أن تسخر بحبيب الرحمن !
قم واسفر بين الأوثان ، فمحمد باق ما بقيت دنيا الرحمن
وسيعلو قول الله في كل زمـــــــــان ومكـــــــان


وأنا أسأل الآن ؛ من المتطرف ، ومن الإرهابي الآن ؟ حين يُساء لنبينا ونُعبِّر ؟ .. نُتَّهم بالتطرف !!

( 8 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



ولكنني أقول : إن تخلَّى أهلُ الأرضِ عن سيدنا رسول الله  ، فإن ربَّهُ الذي بعثه وتولاه ، لن يتخلَّى عنه أبداً ، فلا تتخلّوا أيها المسلمون عن من لن يتخلَّى عنه الله ، حتى لا يتخلَّى عنكم ربكم تبارك وتعالى
لابدَّ أن تتضافر الآن للجهود ، للذبِّ عن الحبيب المحبوب .

فلا إن نال الأقزام من قمة القمم ، ومن ذرة تاج الجنس البشري كله ، فلن يستطيعوا أبداً أن يصلوا إلى هذه السماء العالية ، وإلاّ فهل تصل إلى السماء يدٌ شلاّ !
 يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون 
 هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون 

فالذي سيتولى الدفاع كما دافع عن سيدنا المصطفى  قبل ذلك هو الله 
القائل سبحانه :  والله يعصمك من الناس  ،
والقائل سبحانه :  إنا كفيناك المستهزئين  .

فما تطاول بشرٌ على سيد البشر ، إلاّ واقتصّ الله منه لحبيبه في الدنيا قبل الآخرة ؛
أُعلِنُها بملءِ فمي ، في الدنيا قبل الآخرة ، سيقتصّ الله لحبيبه المصطفى  في الدنيا قبل الآخرة ، هذا وعد الله جل جلاله ؛ فقدر سيدنا المصطفى  عند ربنا كبير ، ومكانته عنده عظيمة .



نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 9 )



روى البخاري ومسلم من حديث أنس رضى الله عنه :
" أن رجلاً نصرانياً على عهد النبي  أسلم وقرأ سورة البقرة وسورة أل عمران ، وكان يكتب للنبي  ، ثم تنصّر مرة أخرى وقال ما كان محمد يعرف إلاّ ما أكتبه له ، فأماته الله ، فدفنه أصحابه ، فأصبحوا وقد لفظته الأرض ، أي وجدوا جثته على سطح الأرض ، كرهته الأرض ولم تقبله في بطنها ، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه ، فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبحوا وقد لفظته الأرض ، فعرفوا أنه ليس من فعل إنسان ، في لفظ مسلم : فتركوه منبوذاً " .
نعم منبوذٌ في الدنيا والآخرة كلُ من نال سيدنا رسول الله  .
نعم أن الله تبارك وتعالى يتولى الدفاع عن حبيبه المصطفى ، لكن ليس معنى هذا أن يتخلى المسلمون عن نصرته .

فقد قال تعالى :  هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين  .
وقال تعالى :  إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنوا في الدنيا والآخرة وأعدّ الله لهم عذاباً مُهيناً  .
فكل من آذى المصطفى ملعون ، وكل مؤمن صادق مأمور بنصرة نبيه  .
أيها المسلمون ...

إننا نشهد الآن حرباً على هذه العقيدة الطاهرة ، لكنها حرب من نوع خبيث جديد ، إنها حرب فكرية ثقافية عقدية .
إن المجرمين يعلمون الآن ، أن أخطر وسائل محاربة هذه العقيدة ، هى الحرب الفكرية الإعلامية ، فهم يشنون الآن حرباً هوجاء ، لا على الفرعيات و الجزئيات ، بل على الثوابت والأصول والأركان والكليات .
( 10 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



وأستطيعُ أن أُبيّن في نقاط محددة الخطوات الخبيثة والمراحل الخطيرة لهذا المنهج المدروس ولهذا المخطط الخبيث : _

أولاً : بدأوا هذا المخطط الخبيث بإعلان الحرب على النص ، مع التضخيم المستمر والمتعمد للعقل ، حتى جعلوا العقل إلهاً يعبد من دون الله جل جلاله ، ليسقطوا بالعقلانية المزعومة قدسية النصوص ، ولو كانت النصوص ثابتة في القرآن والسُنة ؛ بل أعلنوا ذلك صراحةً فقالوا : " لابدّ من إلغاء القاعدة المتفق عليها والتي تقول : ( لا اجتهاد مع النص ) ، لأن هذه القاعدة شكّلت حجر عثرة على العقل البشري الذي أبدع في عصر الألفية الثالثة أو أواخر العصر المنصرم .

لقد أبدع العقل إبداعاً ، فجّر الذرة ، وغاص في أعماق البحار ، وانطلق في أجواء الفضاء ، وحوّل العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذا التكنيك المذهل في عالم الاتصالات والمواصلات .

فهذا العقل لا ينبغي أن يُقال له لا اجتهاد مع النص ، بل يجب على هذا العقل المبدع أن يجتهد مع النص ، ولو كان النص ثابتاً في القرآن أو في سُنة النبي المختار  .
وأنا أقول .. لا ينبغي أن يفهم العلمانيون المجرمون أننا نريد أن نسقط مكانة العقل ، كلا كلا ، بل إن نور الوحي لا يطمس نور العقل أبداً ، بل يبارك نورُ الوحي نورَ العقل ، ويزكي الوحي العقل ويحتفي به أيُما احتفاء ، ويُلفت القرآن الأنظار إلى مكانة العقل والتعقل والتدبر في آيات كثيرة ،  أفلا يعقلون  ، أفلا يتدبرون  ،  قل سيروا في الأرض فانظروا ،  إنَّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنّهار لآيات لأولي الألباب  آياتٌ وآيات .
نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 11 )




لكن ليس معنى ذلك ، أن يصبح العقل حاكماً على النص القُرآني والنبوي ، إيتوني بعقل يتعرف على ذات الله  ، وعلى أسماءه الحُسنى وصفاته العُلى ، وعلى أركان ديننا وأصول إسلامنا دون أن يرجع إلى النقل " النص القُرآني والنبوي " ؛

ورحم الله ابن القيّم إذ يقول :

لا يستقل العقل دون هداية الوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً
كالطرف دون النور ليس بمدرك يراه بُكرة ً وأصيلاً
نور النبوة مثل نور الشمس للعين البصيرة فاتّخذه دليلاً
فإذا النبوة لم ينلك ضياءها فالعقل لا يهديك قطُّ سبيلاً
طرق الهُدى محدودةٌ إلاّ على من أمّ هذا الوحي والتنزيلَ
فإذا عدلت عن الطريق تعمُدا ، فاعلم بأنك ما أردت وصولا
يا طالباً درك الهُدى بالعقل دون النقل لن تلقى لذاك دليلا


أصبح العقل إلهاً يُعبد من دون الله ، مع التقليل والتصغير والتحقير من شأن النص ولو كان ثابتاً في القرآن والسُنة .
وبالرغم من هذا لم يفلحوا ، فإنهم يكيدون كيداً ، والله يكيد لهم كيداً ويمهلهم رويداً

ثم تجاوزوا هذه المرحلة الأولى من مراحل هذا المخطط الخبيث إلى المرحلة الثانية ألا وهى : التشكيك في من نقل إلينا النص دون أدنى خجل ولا وجل ؛
فهم يتطاولون على القمم ، فيسبّون الصحابة علناً دون أدنى خجلٍ ولا وجل ،
والله تعالى يُزكي الصحابة فيقول :  والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم  .
(12) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



وقال سيدنا المصطفى  كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري  : ( لا تسبّوا أصحابي ، فو الذي نفس محمد بيده ، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفة ) .
وبالرغم من ذلك لم يفلحوا ، فإنهم يكيدون كيداً ، والله يكيد لهم كيداً ويمهلهم رويداً

ثم تجاوزوا هذه المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة ، ألا وهى مرحلة الطعن المباشر ، والتشكيك في سُنّة سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
نعم شكّكوا في السُنة ، بدعوى أن فيها الضعيف والموضوع ، وبدعوى أن السُنة تحوي من الأحاديث ما يصطدم اصطداماً مباشراً مع النظريات العلمية المعاصرة الحديثة ، وزعموا أن القرآن وحده يكفي ، وهم يعلمون علم اليقين أنهم بذلك يريدون بعد هذه المرحلة كما سأُبيّن ، يريدون بإسقاط السُنّة أن يسقطوا القرآن ، لأن القرآن لا يمكن بحال أن يُفهم بعيداً عن سُنّة سيد الرجال  ..
ورحم الله من قال ألا وهو الإمام الأوزاعي العلم : ( القرآن أحوج إلى السُنّة ، من السُنّة إلى القرآن ) .. ولما لا ؟ وقد قال الله تبارك وتعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب  .
وبالرغم من هذا أيضاً لم يفلحوا ، بل أثبت الله فشلهم .

ثم انتقلوا إلى المرحلة الرابعة ، ألا وهى مرحلة الطعن في القرآن ، نعم في القرآن الكريم ، للطعن في عقيدة التوحيد والموحدين ، في الوقت الذي تشن فيه الحرب على الأطهار بصورة هوجاء ، إنها حرب إسقاط رموز هذه الأمة أيها الأخيار الأبرار .
لماذا ؟ .. إنه التحالف مع الشيطان أيها الموحدون المؤمنون !
واللهِ وأقسمُ بالله غير حانت أيها المسلمون ، واللهِ ما سبَّ إبليس رب العزة ؛
نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 13 )



من قال ؟ كما قال الكبير المتعال حكايةً عن إبليس الملعون الرجيم ، ماذا قال الشيطان ؟ قال الله تعالى حكايةً عنه :  كمثل الشيطان إذ قال للإنسـان اكفر . فلمّا كفر قال إني بريءٌ منك إني أخاف اللهَ ربَّ العالمين  .

وتدبر معي قول رب العالمين حكاية عن إبليس اللعين :  وقال الشيطان لمّا قُضى الأمر إنَّ اللهَ وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إنَّ الظالمين لهم عذابٌ أليم  .
واللهِ ما سبَّ إبليس رب العالمين ، وما سبَّ إبليس أحداً من المرسلين ، كلا ورب الكعبة ، هؤلاء ألعن من إبليس ، فهؤلاء الأبالسة الذي يتعلم اليوم منهم إبليس اللعين هم ألعن منه وأوقح منه .

فلنعرِّف الدنيا كلَّها عظمة رسول الله ومكانة رسول الله وأخلاق رسول الله  ..
فيجب وجوباً على كل مسلم ومسلمة اليوم ، أن يبين عظمة سيدنا رسول الله الآن على أرض الواقع ، وأن يذكِّر الأمة بحرمة سيدنا رسول  .

أيها المسلمون .. أيها الشباب ..


نُصرَةُ النبي ليست حماساً فوَّاراً مؤقتاً ، فقلوبنا تنزف مع كل أزمة تمر بها الأمة ، تهيج الأمة وتصرخ وتهتف بحناجر ملتهبة غاضبة ؛ وهذا شعورٌ لا أقللُّ من شأنه ولا ينبغي لأي حاقدٍ أن يقللَّ من المشاعر الفياضة الجياشة التي يجسّد بها الصادقون حبهم لرسول الله  .
( 14 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك




لكنَّ الذي يُدمِ القلب ، ويُحزن النفس ، أن تتوقف هذه المشاعر وأن تتجمد بعد شهرٍ أو شهرين ، كما هو واقع ، ويتناسى كثير من المسلمين الحدث وكأنَّ شيئاً لم يكن ، وهذا أمر متكرر .
فيجب أن نقيم حداً لهؤلاء المهازيل من البشر ، فلا من الأدب مع سيدنا رسول  ، بل وحتى مع أنفسنا أن نقف مكتوفي الأيادي .

لذا فأنا أقول : النصرة الحقيقية لسيدنا رسول الله  في عدة نقاط محددة :

أولاً : المقاطعة الفكرية أيها الشاب المسلم ، فالشرق والغرب الآن يسبُّ نبيك أيها الشاب المسلم ، يسبُّك أنت ، فكيف تقلِّد هذا الغرب ، كيف تقلِّد الشاب الغربي في قصة شعره ، وفي ملبسه ، وفي سلسلة في رقبته ، وأخطر من هذا في فكرك وهويتك ، فكيف تعتزُّ به .

ثانياً : المقاطعة الاقتصادية التي تناسيناها ، ويجب أن تكون لكل البضائع الغربية بلا استثناء ، وأولها بضائع الدنمارك ، ثم هولندا وألمانيا وأمريكا وإسرائيل ، على قدر حبك للمصطفى  على قدر مقاطعتك لبضائعهم فقس أنت على ذلك ، وهنا يكمن حبك لنبيك ، فهيا برهن حبك الذي تزعم .
فأقلَّ ما تستطيع عمله هو أن تقاطع بضائع من يحاربونك ، من يحاربون نبيك ويحاربون الإسلام والمسلمين ...
هيّا من الآن .. دقق الفحص وأمعن النظر في كل ما تشتريه من البضائع ، قبل أن تشتري دقق من أين جاءت هذه البضاعة ، ولتكن عادة ، ولتعلّمها أحبابك ، حتى يعلم الغرب الحاقد قدر رسول الله عندنا .
نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 15 )



فهذه مسؤوليتكم أيها المسلمون ، وهذا دور كل واحد منكم ، ولا ينبغي أن يدّعي أحدٌ منا أنه لا دور له ولا مسؤولية يتحملها ، بل أنت مسؤول أمام الله جل وعلا ، فاتقي الله على قدر استطاعتك ، واتقوا الله ما استطعتم ، والله  سيجعل في هذا الجهد ولو كان ضئيلاً الخير بإذن الله عز وجل ، ووعد الله قائم ينتظر العُصبة المؤمنة التي تقوم وتعلو لمستوى هذا الدين .

فنحن جميعاً نعلم عجز الأمة ، وضعف الأمة ، لكننا نودُّ أن تأخذ الأمة هذه المحنة لتكون منحة ، ولن يكون ذلك بالصياح ولا بالصراخ ولا بالعويل ولا بحرق الأعلام ؛
إنما لن يكون ذلك إلاّ إذا خطونا الخطوة الصحيحة العملية الأولى على الطريق ألا وهى : أن نثق في ربنا جلا وعلا ، وأن نجدد إيماننا وتوكلنا واعتمادنا عليه .

فالذي يُدمِ القلب أن الأمة لا تزال تنتظر لقمتها من يد عدوها ، كيف تكون كلمتنا من رأسنا ، إن لم تكن لقمتنا من فأسنا ..

ثالثاً : ماذا علىَّ أنا ؟ لا تحدّثني بما لا أملك الآن ، فلسنا في حاجة إلى أن تحمِّلنا هموماً فوق الهموم ، وألماً فوق الألم ، ماذا أفعلُ أنا ؟ ...

يجب عليك ابتداءاً أيها المسلم أمام هذه الحرب المسعورة المعلنة على الإسلام بثوابته ، أن تُحصِّن نفسك بالإيمان والعلم الشرعي ، فالإيمان الآن سفينة نوح وسط هذه الأمواج المتلاطمة ، إن لم تركب هذه السفينة ستهلك ، فبكل خطوة تخطوها تجاه الله تبارك وتعالى تقرّب بها أُمتك للنصر خطوة .

رابعاً : كيف نحب رسول الله  ونحن لا نعرفه ؟ .. سؤال والله مخجل ! .
فلنتعرف علي أعظم شخصية عرفتها الأرض ، فلنقرأ سيرته العطرة ، حتى نحبه ، فلنعلّم أبناءنا حبيب قلوبنا ؛ فرسول الله يا إخوة منهج رباني متكامل ..
( 16 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



فلا يدري لحقيقته  غاية ، ولا يعلم لها نهاية ، فهو من الغيب الذي نؤمن به ..
فهو غيب في شهادة ، وحق في خلق ، ونور في بشر ، ومعني في حس ، وإطلاق في تقييد ، ومنزه في تشبيه ، فهو المثل الأعلى ، والسر الأجلى ، بشريته غيبية ، وكثرته أحدية ، وخلقته حقية .
ولله درُّ البوصيري حيث قال : _

وكيف يُدركُ في الدنيا حقيقته قومٌ نيامٌ تسلُّوا عنه بالحُلُم

ولمّا أراد الله جلّ جلاله ولا رادّ لإرادته ، أن يبرز أو أن يُبيّن للبشرية حقيقة المنهج الرباني ، بعث الله الحبيب النبي ، ليجسد المصطفى هذا المنهج في حياة الناس .
رأى الناس الطُهر في سيدنا المصطفى ، ورأى الناس الصدق والأمانة والعفة والخُلُق والأدب والرجولة ، فقد عارفت البشرية كل معاني الأخلاق في شخص من علا كل الأخلاق ، حتى شهد الله له بقوله : وإنك لعلى خلق عظيم  صلى الله عليه وسلم

قال الإمام العلاّمة الماوردي رحمه الله في كتابه " من أعلام النبوة " :
" آيات المَلِكِ باهرة ، وشواهد النبوة ظاهرة ، تشهد مباديها بالعواقب ، فلا يلتبس فيها كذب بصدق ، ولا منحل بحق ، وبحسب قوتها وانتشارها ، يكون بشائرها وإنذارها " .

فوالله ما نقض عهد مع كافر قط ، والله ما خان من خانه من المشركين قط ، بل وفّى حين نقضوا العهود ، وصدق حين كذبوا .

نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 17 )



ومن أروع ما سنقف عليه الآن ما رواه مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه
قال حذيفة : ما منعني أن أشهد بدراً أنا وأبي حسين إلاّ أن المشركين أخذونا وقالوا أتريدون محمداً ؟ ، قال : حذيفة قلت لا ، قال حذيفة : فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وأن لا نشارك رسول الله في قتال ، قال فمررت على النبي وأخبرته بما كان من عهد مني للمشركين ، " إقرأ معي ماذا قال سيدنا النبي الأمين " ، قال الحبيب النبي  : ( إنصرفا ، نفي للمشركين بعهدهم ، ونستعين الله عليهم ) .. الله أكبر .. هذا سيدنا محمد ، هذا المصطفى ..
أيها الغرب الكافر ، ويا أيها الشرق الملحد .
( وددت لو تُرجم هذا الحديث بلغة الغرب ) .

خامساً : لا تكون النُصرة إلاّ باتِّباعه والتخلق بأخلاقه ، فكيف تدّعي أنك تنصر رسول الله ولم تتخلق بعد بأخلاقه ؟ وأنت مضيّع للصلوات ؛ وأنت سيء الأخلاق والآداب ؛ كيف ننصر سيدنا رسول الله  ونحن نأكل الربا ، ونحن نعاقر الزنا ، ونحن نأكل أموال اليتامى ، ونحن نؤذي الجيران والناس ، ونحن نهدر المال العام ونرى أنه لا صاحب له ؟ .

وأخيراً أيها الأخيار الكرام : مع كل هذا فأنا أقول .. إنها زوبعة في فنجان ، فكل الحرب المعلنة علي سيدنا رسول الله  ، شأنها كشأن ذُبابة حقيرة تافهة سقطت تلك الذبابة الحقيرة على نخلة تمر عملاقة ، ولمّا أرادت الذبابة الحقيرة أن تطير وتنصرف قالت لنخلة التمر العملاقة ، تماسكي أيتها النخلة لأني راحلةٌ عنك ، فردّت عليها نخلة التمر العملاقة وقالت : إنصرفي أيتها الذبابة الحقيرة ، فهل شعُرتُ بكِ حينما سقطتِ علىّ لأستعِدَّ لكِ وأنت راحِلةٌ عني ! .
( 18 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



فهل نحب رسول الله حقاً ؟ .. سؤال مرير بمرارة بُعدنا عن الله تبارك وتعالى !
فليسأل كل واحد منا الآن نفسه ، هل يُحِبُّ رسولَ الله  ، حُبَّاً يفوق حبه لزوجه وولده ونفسه التي بين جنبيه ، سيتضح لكل واحد منا صدقه في هذه الدعوة ؛ فما أيسر الادعاء ، وما أسهل الزعم والتنظير والكلام .
ولو نظرنا إلى واقع سلفنا رضوان الله عليهم ، لتبين لنا أن الفارق كبير وكبير بين صدقهم في حبهم لسيدنا النبي  ، وبين زعمنا نحن في حبنا لنبينا  .


فتدبروا معي أيها الأفاضل الكرام هذه المشاهد الرقراقة من مشاهد الحب الصادق
فهذه رسالة من عروة ابن مسعود أحد رؤوس الكفر ، إلى أولئك المساكين الذين يُنكرون على الأمة تعظيم سيدنا رسول الله  ، بل هى رسالة خالدة إلى الأمة كلها فليسمعوا هذه الشهادة الواضحة ..

هذا عروة بن مسعود وحديثه في البخاري ، لما ذهب إلى النبي يوم الحديبية ورأى الحب الصادق من الصحابة لرسول الله  ، عاد عروة إلى قومه ليقول :
يا قوم ، والله لقد وفدتُ على الملوك ، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، ما رأيت أحداً يعظمه أصحابه كما رأيت أصحاب محمدٍ يعظمون محمداً ، واللهِ ما تنخّم محمدٌ نخامة ، إلاّ وقعت في كفِّ رجل منهم ، فدّلك بها وجهه وجِلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه ، ولا ينظر أحدهم إليه إجلالاً له  .
فقد يستكثر هذا قلوبٌ مغلقة لم تعرف ولم تذق طعم الحب ، ولو عدتم إلى الوراء قليلاً لوجدتم من العاشقين من فعل ما يفوق ذلك ، لو قرأتم شعر العاشقين وشعر المحبين لوجدتم العجب العجاب ، ولكن قلوباً مُغلقة جامدة جافة ، قد لا تستوعب مثل هذا الحب الرقراق ، لأنها ما ذاقت ولا عرفت .
نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 19 )



وهذا طفلٌ مبارك ، بل هذان طفلان مباركان ، من أبناء أصحاب سيدنا النبي  ، يعلّمنا الأطفال كيفية حب سيد الرجال ، والحديث في الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ؛
قال عبد الرحمن بن عوف : " بينما أنا واقفٌ في الصف يوم بدر ، إذ التفتُّ فإذا عن يميني وشمالي فتيان حديثا السن ، فلم آمن على نفسي بمكانهما ، وإذ بأحدهما يغمزني سراً من صاحبه : يا عم يا عم ،هل تعرف أبا جهل ، قال عبد الرحمن : وماذا تريد من أبي جهل يا ابن أخي ، قال الغلام المبارك : سمعت أنه يسبُّ رسول الله  ، ولقد عاهدت الله إن رأيت أبا جهل أن أقتله أو أموت دونه ، أو أن يفارق ثوابي ثوابه ، حتى يموت الأعجل منا ، قال عبد الرحمن : وإذ بالآخر يغمزني سراً من صاحبه : يا عم يا عم ، هل تعرف أبا جهل ، قال وما تريد أنت الآخر بأبي جهل يا ابن أخي ، قال سمعت أنه يسبُّ رسول الله  ، ولقد عاهدت الله إن رأيت أبا جهل أن أقتله أو أموت دونه ، أو أن يفارق ثوابي ثوابه حتى يموت الأعجل منا ، قال عبد الرحمن : فوالله ما سرني أن أكون بين رجلين مكانهما ، فالتفتّ فرأيت أبا جهل يجول في الناس فقلت لهما أنظرا ، هل تريان هذا ، قالا نعم ، قال هذا صاحبكما الذي تسألان عنه ، قال عبد الرحمن : فانقضّا عليه كالصقرين فقتلاه ، وأسرع كل واحد منهما إلى حبيبه رسول الله  ، ليقول يا رسول الله قتلت أبا جهل ، والآخر يقول لا أنا الذي قتلته ، لأنهما يعلمان أنهما بهذا الخبر سيدخلان السعادة والفرح علي قلب الحبيب سيدنا محمد  ، فقال لهما سيدنا المصطفى  : ( هل مسحتما سيفيكما ، قالا : لا ، فأخذ النبي السيفين ، فنظر فيهما فوجد أثر الدم على السيفين معاً ، فالتفت إليهما المعلم المربي وقال : كلاكما قتله ) .


( 20 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



أيها الأفاضل ..
أيُّ حبٍّ هذا ، وهل في لغة البشر ما يستطيع بليغ أديب أن يعبّر به عن هذا الحب الصادق الرقراق من طفلين صغيرين ، يضربا مثلاً للأمة بكاملها عن صدق دعواهما ، بل سأدعُ المشهد يتألق سمواً وروعة وجلالا .

أيها المسلمون ..
لو توقفت مع مشاهد الحب الرائق ، من أصحاب سيدنا النبي  من سيدنا رسول الله  ، لاحتجتُ ورب الكعبة إلى مجلدات لا إلى صفحة واحدة ؛
لكنني تعمّدتُ أن أُعطّر هذه الرسالة بهذه المشاهد الرائقة ، لا لمجرد الثقافة الذهنية ، وإنما لنعلم أنّ السر الحقيقي في تأخر الأمة ، هو في عدم محبتها لنبيها عليه الصلاة والسلام .

لذا فيجب علينا وجوباً نصرته والذب عن مكانته والتعلق به ظاهراً وباطناً ، ويبدأ بذلك من : تصديقه على الرسالة ، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في نهيه وأمره ، ونصرته حياً وميتاً ، ومعاداة من عاداه معاداة عملية على أرض الواقع كالمقاطعة الفكرية والاقتصادية مقاطعة كاملة جادة ، وموالاة من والاه ، وإعظام حقه ، وتوقيره ، وإحياء طريقته وسنته ، وبث دعوته ، ونشر سنته ، ونفي التهمة عنها ، ونشر علومها ، والنفقة في معانيها ، والدعاء إليها ، والتلطف في تعلمها وإعظامها وإجلالها ، والتأدب عند قراءتها ، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم ، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها ، والتحلي بأخلاقه ، والتأدب بآدابه ، والتمسك بتعظيمه وإجلاله ، ومحبة أهل بيته وأصحابه ، ومجانبة من ابتدع في سنته ، ومن التعرض لأحد من أصحابه ، ونحو ذلك من الذوقيات العالية التي غابت عن كثير من المسلمين إلا من رحم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 21 )



ولا يقف الحال علي ذلك - أخي الكريم هداك الله لها - بل يستمر إلي معاونة المسلمين عليها وعلي إعظام حقه وتوقيره ، وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، وتذكيرهم له برفق وتلطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقه ، وتأليف قلوبهم لطاعته ، وترك الخروج عليه .

ومن مقتضيات نصرته  .. بكل وسائله أدباً واجباً وذوقياً ؛
فمن الأدب أن نعظمه ونجله ، لأنه أعظم من تجب من بين الخلق حرمته ومحبته وتبجيله وتوقيره .
ومن الأدب أن نكثر من الصلاة والسلام عليه  .. وخاصة حينما يذكر اسمه الشريف عندنا .
ومن الأدب أن نلتفت بذواتنا ونصغي بآذاننا إلى من يذكره ونترك ما يشغلنا عنه في الحال تأدباً معه .
ومن الأدب أن نضعه عليه الصلاة والسلام نصب أعيننا .. في كل وقت وحين .
ومن الأدب أن نفهّم بعضنا ما واجبات الخلق نحوه .. وما يلزمنا الأدب معه .
ومن الأدب أن نربي أبناءنا على محبته ، وتدريسهم سيرته ، وتبجيل مكانته ورفعته .
ومن الأدب تعظيمه  وإقرار الأخر بذلك .. ووقوفه علي ذلك وتسليمه .
ومن الأدب أن ندافع عنه ما استطعنا إلي ذلك سبيلاً ..
ومن الأدب أن نسعد ونفرح بكل من يدعو إليه وإلى سنته ويحي طريقته ويعظم حرمته .
ومن الأدب أن نوقِّر ونجلّ كل من يعظم مكانته ويجلّ حرمته .

* * *

( 22 ) نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك



أيها المسلمون ..

نصرتكم لنبيكم هى في حبكم الصادق له  ، في اتباع سُنّته والزود عنها ، فلينظر
كل واحد منا لنفسه ، أنظر لأوامر النبي القولية ، ولسنة النبي الفعلية والعملية ، ولسنة
النبي التقريرية ، أين أنت من قولٍ وعملٍ وتقرير .

فنحن الآن في حاجة ماسة إلى المدافعين عن السُنّة لا بالأقوال فحسب ، بل بالقول والمظهر والقلب والعمل ، لأننا نعيش الآن عصراً كما أصلّت ، نعيش عصراً أُعلنت فيه الحرب الضروس على سيد الكائنات وعلى سُنّته ، وعلى المتّبعين ،
فما أحوج الأمة اليوم إلى من يُحوِّلون السُنّة إلى واقع عملي يتألّق سمواً وروعة وجلالا .

فما أحوج الأمة اليوم ، بعلماء ها وحُكّامها ورجالها ونساءها ، إلي رسول الله  ، لتطبق سنته تطبيقاً عملياً على أرض الواقع ، إذ لا عزة لها ولا كرامة إلاّ إذا عادت من جديد ، لأثر النبي الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

واسمحوا لي أيها الأفاضل أن أختم رسالتي هذه بعلامة لعلامات الحب الصادق لسيدنا رسول الله  ، قد يغفل عنها كثير منا لا سيما في مجالس الخير ، ألا وهو الصلاة والسلام علي سيدنا النبي  .

ترى البُخل حتى في مجالس العلم والذكر ، فقد يبخل كثير من الحضور إذا سمع اسم النبي أن يُصلي عليه ، والنبي  يقول : ( ويلٌ لمن لا يراني يوم القيامة ،

نصرة النبي الصادق في الرد على إساءة الدنمارك ( 23 )



فقالت السيدة عائشة  : ومن لا يراك يا رسول الله ، قال : البخيل ، قالت : ومن البخيل ، قال : الذي لا يُصلي علىّ إذا سمع باسمي ) .
فاللهم ربنا صل وسلم وبارك عليه صلاة ترفعنا بها عندك أعلى الدرجات وعلى آله وصحبه أجمعين .

تمت الرسالة بعون الله المعين القدير ، واللهَ الكريم أسأل أن يتقبل مني هذا العمل بعفوه وكرمه ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، كما أسأل الله بها نُصرةً لسيدي ومولاي محمد رسول الله  ،إنه ولى ذلك والقادر عليه .
القائل سبحانه  هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين  .

اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، و ارزقنا حبه وحب كل من يحبه ، اللهم احشـرنا معه بحـبنا له ، وارزقنا الصـدق في حبـك وحـب نبيــك وحـب من أحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك .


اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ، ورسولاً عن دعوته ورسالته
،و احشرنا ربنا في زمرته ، وأدخلنا جنته .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على هذا السيد النبي الكريم محمد ابن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه
وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واقتفى أثره واستنّ بسنته إلى يوم الدين
والحمد لله رب العالمين . .

* * *
إضافة جديدة
يتعرض الإسلام ورسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ زمن طويل لهجوم عنيف من قِبل خصومه وأعدائه، وهؤلاء الأعداء منهم الظاهر المجاهر في عدائه، ومنهم المستتر غير المجاهر، الذي يدسُّ السمَّ في العسل. وقد وجدنا بعض الأقلام الحاقدة، من ذوي الأفكار المشوهة، قد اهتمت بإثارة الشبهات وتدوين التشكيكات، ضمن حالة من الاستنفار العام للهجوم على الإسلام وأهله.
ولا يزال مسلسل التربص بالإسلام ورجاله مستمرًا؛ في مخطط يستهدف استئصال دين الإسلام واجتثاث أصوله، وتقويض بنيانه، وذلك بمحاولة التشكيك في الدين والألوهية، ومحاولة التشكيك في الرسالة، ومحاولة التشكيك في النبوة وعالمية الدعوة الإسلامية، محاولة اختراق السيرة النبوية، وإخضاع حياة النبي لعلوم التربية والسيكولوجيا، في محاولة للنيل منها، والطعن فيها، والافتراء على التاريخ الإسلامي جملة، والبحث عما ظنوه ثغرات وتناقضات في محاولة؛ لتشويهه ومحاولة تفسيره بمنظور بشري عاجز؛ رغبةً منهم في إطفاء نور القوة والحق فيه. فالدين الإسلامي بحق هو الدين، الذي لا يهاب العلم وحقائقه، بل ويدعو كل عاقل أن يتفكر ويتأمل ويستجمع كل قواه الذهنية؛ ليميز الخبيث من الجيد.

الثلاثاء، 23 مارس 2010

الاجتهادُ في الشَّريعة الإِسلامية


الاجتهادُ في الشَّريعة الإِسلامي: حكمه، شرائطه، حجيته، أقسامه، آثاره

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب هذا البحث فضيلة الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي للندوة الدولية عن الاجتهاد وضوابطه والتي انعقدت في دمشق من 12 إلى 14/4/2004

مقدمة: الاجتهاد، وحكمه
إذا كان الاجتهاد، بذلَ الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل في أمر ما، طبق ضوابطه وأصوله المعروفة، فالاجتهاد ينبغي إذن أن يكون عدّة كل مسلم ورفيقه في تعامله مع الله عز وجل من خلال تنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه.
ذلك هو الأصل في الوظيفة التي أقام الله عليها عبادة الذين أسلموا له، وخضعوا للميثاق الذي واثقهم به. إذ إن استخراج أحكام الله من مصادرها، ليست دائماً من اليسر والسهولة بحيث لا تحتاج إلى أي جهد. بل العكس هو الواقع في الغالب. ولله عز وجل في ذلك حكمة باهرة، لا مجال للخوض فيها في هذا المقام.
غير أن اللطف الإلهي بالعباد، اقتضى الرأفة بهم، نظراً إلى تفاوتهم في القدرات الفكرية ووسائل الدراية والاستنباط، ونظراً إلى اختلافهم في الانصراف إلى المشاغل الدنيوية والمرهقات المعيشية التي تحول دون إمكان قيامهم جميعاً بهذا الواجب على السواء وبالوجه السليم.
فكان من رأفته بهم أن رخص لهم في اتباع من أتيح لهم النهوض بهذا الجهد، وذلك من خلال خطابه الذي قال لهم فيه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 16/43].
وبهذا تحول ما كان في أصله واجباً عينياً إلى واجب كفائي. إن قام به من يقعون موقعاً من الكفاية التي تحتاج إليها الأمة في التبّصر بأحكام دينها، سقطت مسؤولية هذا الواجب الاجتهادي عن الباقين.
ومن هنا ندرك ضرورة وجود طائفة من العلماء المجتهدين في كل عصر. إذ لا يخلو كل زمن من جديد لم يكن موجوداً أو معلوماً من قبل، يحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله فيه. وإنما سبيل ذلك الاجتهاد. فإن خلا عصر من العصور عن العدد الكافي من المجتهدين، توّرط المسلمون كلهم من جراء ذلك التقصير، في معصية لا ترتفع عن كواهلهم إلا بوفرة هذه الطائفة الكافية من العلماء الذين بلغوا مبلغ القدرة الاجتهادية على استنباط الأحكام من مصادرها.
ويتلخص الدليل على فرضية الاجتهاد كفائياً في الدليلين التاليين:
أولهما جميع النصوص الدالة على وجوب طاعة الله ورسوله، من مثل قول الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل ‌عمران: 3/32] وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 8/20]، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مالك في موطئه: ((وقد تركت فيكم إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي)).
ووجه الدلالة، أن الله تعالى إذا أوجب عليهم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه، مما قد ورد في كتابه أو سنة رسوله، فقد أوجب عليهم بذل الجهد اللازم لفهم ما قد دلت عليه نصوص كل منهما. ذلك لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهي قاعدة أصولية معروفة.
ثانيهما قول الله عز وجل: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 9/122].
ووجه الاستدلال بها أن نعلم بأن الجهاد من أهم ما قد شرعه الله وفرضه على عباده. فإذا أمر مع ذلك بتخلّف نفر من الناس عن الخروج إلى الجهاد، لكي يتفرغوا للتفقه في الدين الذي هو استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، فإن ذلك من أجلى الأدلة على أن الاجتهاد في فهم أحكام الدين فريضة كالجهاد، ولكنه فرض كفائي يكفي في القيام به نفر من الناس، بشرط أن يكونوا من الكثرة بحيث يشكلون مرجعاً كافياً لعامة الناس، فيما قد يستشكلونه أو يسألون عنه.
ولكن هل يغني عامة الناس، ويرفع عنهم الوزر، أن يتبعوا أئمة مجتهدين قد ماتوا وخلوا من قبل، أم لابدَّ أن ينهض من بينهم من يتعلم فيرقى إلى رتبة الاجتهاد، كي يكون لهم في اتباعه ما يغنيهم عن تقليد الأموات؟
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، جواز تقليد المجتهد وإن كان ميتاً. فإن الأقوال الاجتهادية لا تموت بموت أصحابها. يقول ابن القيم: ((هل يجوز للحيّ تقليد الميت والعمل بفتواه من غير اعتبارها بالدليل الموجب لصحة العمل بها؟.. فيه وجهان لأصحاب الإمام أحمد. فمن منعه قال يجوز تغيير اجتهاده لو كان حياً.. والثاني يقول بالجواز. وعليه عمل المقلدين في أقطار الأرض وخيار ما بأيديهم تقليد الأموات، والأقوال لا تموت بموت قائليها، كما لا تموت الأخبار بموت رواتها))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ويقول الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة ((إن هذه المذاهب الأربعة المدونة المحررة قد أجمعت الأمة أو من يعتدّ به منها على جواز تقليدها إلى يومنا هذا. وفي ذلك من المصالح ما لا يخفى. لاسيما في هذه الأيام التي قصرت فيها الهمم، وأشربت النفوس الهوى، وأعجب كل ذي رأي برأيه)).
أقول: وهذا رأي الشيعة الإمامية أيضاً: إذ الأئمة المعصومون الذين خلوا من قبل، لا تزال أقوالهم هي المرجع في كل ما قد أبرموا القول فيه، غير أن أقوالهم لا تسمى عندهم اجتهاداً بالمعنى المتداول عند أهل السنة. إذ الاجتهاد عند الجمهور قابل للخطأ، نظراً إلى أنه صادر من جهده الشخصي، أما عند الشيعة فالعصمة عن الخطأ هي السمة التي لابدَّ أن يتصف الأئمة بها. ومن ثم فإن أقوالهم التي صدروا عنها في الأحكام، بمثابة وحي علوي، أو هو اجتهاد، ولكنه اجتهاد معصوم عن تسرب الخطأ إليه.
بقي أن نقول: إن خضوع الاجتهاد للفرض الكفائي في كل زمن، يضفي إشكالاً كبيراً على المقولة الدارجة على كثير من الأفواه: ((إن باب الاجتهاد قد أغلق منذ أوائل القرن الخامس)) ولسوف نناقشها، ونوضح وجه الحق فيها، في المكان المناسب من هذا البحث إن شاء الله.

موضوع الاجتهاد، والمحور الذي يدور عليه:
يدور الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، مهما تنوع، على محور النص من القرآن أو السنة، فهو يظلّ مرتبطاً به، خاضعاً له، باحثاً عنه. ذلك لأن الاجتهاد في مسألة ما من مسائل الدين، لا يعدو أن يكون استجلاء لمدى صحة النص وثبوته، أو تبيناً لمعناه ودلالته، ويدخل في الحالة الثانية البحث في مدى عموم النص أو خصوصه، أو إطلاقه أو تقييده، وفي مدى خضوعه للتأويل، وفي العلة التي يدور عليها حكمه.
بل إن مطلق ما يسمى حكماً في مصطلح الشريعة الإسلامية، لا يتحقق له وجود، إلاّ على أساس الخبر أو الحكم الذي بلغنا من الله عز وجل ورسوله. إذ بدونهما لا يسمى العلم الشرعي علماً، بل هو لا يعدو أن يكون وهماً وزغلاً.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله: ((وليس لأحد أبداً أن يقول في شيء: حلّ أو حرم، إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في كتاب الله أو السنة أو الإجماع أو القياس))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ومعلوم أن كلاً من الإجماع والقياس أثر من آثار النص، لا يتقومان إلاّ به، ولا ينهضان إلا عليه. ويقول الإمام الشافعي في بيان أن القياس أثر لا ينفك عن النص: ((والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر من الكتاب أو السنة، لأنهما عَلَمُ الحقّ المفترض طلبه))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ولو جاز أن تتسع دائرة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية إلى تخطّي حدود النصّ ومدلولاته، إذن لجاز لهذا الاجتهاد ذاته أن يبطل حكم الشريعة بأسرها، وأن يستبدل بها شيئاً فشيئاً غيرها.
ولقد أوضح الشاطبي هذه الحقيقة بدقة بارعة عندما قال:
((ولو جاز للعقل تخطّي مأخذ النقل (أي النص) لجاز إبطال الشريعة بالعقل. وهذا محال باطل. وبيان ذلك أن معنى الشريعة أنها تَحُدُّ للمكلفين (أي بالنقل الوارد إلينا من الله ورسوله) حدوداً في أفعالهم وأقوالهم واعتقاداتهم. وهو جملة ما تضمنته. فإن جاز للعقل تعدي حدٍّ واحد، جاز له تعدي جميع الحدود، لأنّ ما ثبت للشيء ثبت لمثله.. وهذا لا يقول به أحد))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
وقد حصر الماوردي عمل المجتهد في سبعة أقسام لا يتجاوزها، تدور كلها على محور النص. وهي: إثبات النص، أو استخراج علته، أو ضبط مدلولاته، أو الترجيح بين احتمالاته، أو الكشف عن عمومه وخصوصه، أو إطلاقه وتقيده[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
هل القياس مصدر آخر إلى جانب النص؟
إن فيما قد أوضحته، ثم أيدّته بكلام الإمام الشافعي ومن جاء بعده، ما يجزم بأن القياس ليس إلا واحدة من الدلالات التي تهدي إلى معنى النص ومضمونه.
وفي هذا ما يدل على أن الخلاف بين أهل السنة والجماعة، وبين الشيعة الإمامية في مشروعية الأخذ بالقياس في استنباط الأحكام، ليس إلا خلافاً لفظياً. إذ إن الشيعة الإمامية يستعظمون القول بحجية القياس مصدراً ثالثاً من مصدري التشريع: (القرآن والسنة) تخوفاً من أن ينتهي هذا القول إلى هيمنة القياس على النص، وإلى التضييق من دلالته أو القضاء عليها.
غير أن ما عرفناه الآن من أن مهمة القياس ليست إلاَّ خدمة النص، عن طريق الكشف عن المعاني الكامنة فيه، وعن حدود ما يرمي إليه، يقضي على هذا التخوف، ويذيب أي أثر لهذا الخلاف. وهذا ما قد انتهى إليه العالم المحقق الشيخ محمد مهدي شمس الدين إذ يقول: ((الحقيقة أن ذكرنا لا يعني أنه يوجد تباين كامل بين المذاهب في هذه الأدوات الاستنباطية. ففي بعض الموارد يكون الاختلاف لفظياً. أي إن الاختلاف يكون في التسمية فقط. وبعض الموارد التي تعتبر قياساً عند أهل القياس، لا يسميها فقهاء الإمامية قياساً))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].

مجالات الاجتهاد:
من الثابت يقيناً أن الاجتهاد المشروع، هو ما تعلق بحكم شرعي ليس فيه دليل قطعي. ذلك لأن الحاجة إلى الاجتهاد متفرعة عن وقوع الاحتمال في ثبوت النص أو في دلالته، كما قد أوضحنا من قبل.. ولا يقع الاحتمال إلا حيث يكون الدليل ظنياً.
وبهذا تخرج مسائل العقيدة الإسلامية ومبادئها الأساسية عن دائرة الاجتهاد. لأنها مستندة إلى دلائل يقينية الثبوت والدلالة، كما يخرج أيضاً كل الأحكام الفقهية التي ثبتت على وجه القطع واليقين، كفرض الصلوات الخمس ووجوب صوم رمضان وحج البيت على المستطيع وحرمة القتل بدون حق والسرقة والزنى وشرب الخمر.. إذ إنها تستند إلى أدلة قطعية ذات دلالة يقينية لا مجال فيها للاحتمال. ومن ثم فلا سبيل للاجتهاد إليها.
ومن أبرز الأدلة التي تخرج أصول العقيدة الإسلامية وما يتبعها من ضروريات الأحكام الشرعية، عن ساحة الاجتهاد، قول الله عز وجل {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ} [محمد: 47/19]. وقد عرفنا أن العلم هو ما تسامى فوق درجة الشك والظن وبلغ درجة اليقين والجزم، ولا يتأتى ذلك إلا بأدلة قاطعة، تغني عن النظر والاجتهاد فيها.
ومثل ذلك قول الله تعالى في التحذير من اتباع العقائد الزائفة: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم: 53/28] وقوله تعالى في صدد الموضوع ذاته: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 17/36].
وفي بيان هذا يقول الشافعي رحمه الله: ((العلم علمان، علم لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهلُهُ، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والسرقة والقتل والخمر، وما كان في معنى هذا مما كلف الله به العباد أن يفعلوه ويعلموه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفوا عما حرم الله عليهم منه. وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله، وموجود عاماً عند أهل الإسلام، ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله ولا ينازعونه في حكايته ولا وجوبه عليهم. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل، ولا يجوز فيه التنازع))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ويقول الإمام الغزالي في المستصفى: ((والمجتَهَدُ فيه، كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي، واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام، فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم. وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثماً.. أما وجوب الصلوات الخمس والزكاة وما اتفقت عليه الأمة من جليّات الشرع، ففيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف، فليس ذلك محلّ اجتهاد))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
وهذا ما يقرره سائر علماء الشريعة الإسلامية وأصولها، على اختلاف مذاهبهم في دين الله عز وجل، ولا أحسب أن في ذلك أيّ خلاف.
ولكن يدخل في حكم الفروع الاجتهادية، جزئيات اعتقادية خارجة عن المبادئ الأساسية في بناء العقيدة. إذ لم تتوفر عليها أدلة قطعية. كالبحث في النشأة الثانية للإنسان بعد الموت أتكون بعد انعدام كلي أم بعد تفتت واضمحلال.. وكالبحث في صفتي السمع والبصر لله عز وجل أهما تتعلقان بالموجودات كلها، أم يتعلق البصر بالمبصرات والسمع بالمسموعات؟
فهذه وأمثالها، وإن كانت من الأمور الاعتقادية، إلا أنه لما لم يرد في شأنها نصوص ثابتة ذات دلالات قاطعة، بقي أمرها موكولاً إلى علم الله، وربما وصل الباحث فيها عن طريق الاجتهاد إلى رأي مظنون . ولا يكلفه الله في ذلك بأكثر مما وصل إليه طوقه الاجتهادي.
غير أن في مسائل العقيدة ما وقع الخلاف بشأنه بين بعض المذاهب الإسلامية، أهو من الجزئيات التي لم يرد بشأنها نص قاطع، فهي إذن من المسائل الاجتهادية، أم هو من الأمور اليقينية التي تستند إلى نصوص ثابتة قاطعة، ومن ثم فلا مجال للاجتهاد فيها. ومن أشهر الأمثلة على ذلك مسألة الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فهي عند الشيعة الإمامية وغيرهم من القضايا الأساسية التي أبرم الشارع حكمها بأدلة نصية قاطعة. ومن ثم فلا مجال للاجتهاد فيها. وهي عند سائر المسلمين من المسائل الجزئية التي تنبثق عن الرأي والتشاور والاجتهاد.
غير أن حدود الخلاف، في هذه المسألة، تاريخية فيما أراه. وهي تنتهي عند الإمام الثاني عشر. إذ يلتقي الجميع هناك وإلى يومنا هذا، على كلمة سواء. هو اختيار الإمام أو الحاكم الصالح الذي يستطيع أن يدير أمور الأمة. وأعتقد أن في اعتماد ما يسمى بـ(ولاية الفقيه) ما يساهم في ردم ثغرات الخلاف ويدعم الجامع المشترك التي يلتقي عليه سائر المسلمين اليوم.

من هو المجتهد؟
قلنا إن المجتهد هو ذاك الذي يبذل ما يملك من الجهد لمعرفة حكم الله عز وجل، طبق ما تدلّ عليه مصادر الشريعة الإسلامية. ومن المعلوم أن بذل هذا الجهد الذي لابدَّ منه، لا يتأتى من الناس جميعاً، لما قد سبق بيانه من تفاوت الناس في القدرات الذهنية والملكات العلمية، وامتلاك أدوات المعرفة والاستنباط.
إذن فقد كان لابدَّ من ضبط هذه القدرات، وبيان الأنواع المطلوبة من العلوم والمعارف، ثم بيان القدر المطلوب في مجال معرفتها. إذ إن وجود هذه القدرات ضمن أنواعها وحدودها التي لابدَّ منها، يفرض على صاحبها أن يستقل بالاجتهاد واستنباط الأحكام من مصادرها، ويحرم عليه تقليد الآخرين فيما انتهت إليه اجتهاداتهم.
فما هي هذه الشروط العلمية التي إن توفرت تجعل من صاحبها مجتهداً يحرم عليه التقليد؟
ألخّص بيان هذه الشروط، أخذاً مما ذكره الآمدي في كتابه الإحكام في أصول الأحكام، بعد أن استعرضت هذه الشروط لدى بقية الباحثين من أئمة أصول الفقه، فلم أجد بينهم في ذلك خلافاً يذكر. وهي تلخص في الشروط التالية:
أولاً: أن يكون المجتهد سليم العقيدة والسلوك، لم يتهم بمروق أو فسق أو تهاون في أداء أوامر الله عز وجل والدفاع عنها عندما يقتضي الأمر ذلك.
ثانياً: أن يكون عالماً بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها وطرق إثباتها، ووجوه دلالات تلك المدارك على مدلولاتها، وأن يكون على بينة من اختلاف مراتبها، وأن يعلم القواعد التي يتم على أساسها الترجيح عند التعارض، وأن يعلم كيفية استثمار الأحكام من مصادرها. وأن يكون عالماً بالرواة وطرق الجرح والتعديل، وأنواع الحديث الصحيح منها والضعيف..
ثالثاً: أن يكون متبصراً بأسباب النزول وبحقيقة النسخ وأماكنه والناسخ والمنسوخ في النصوص التي تتضمن الأحكام.
رابعاً: أن يكون عالماً باللغة العربية وفنونها من نحو وصرف، وبلاغة، بحيث يميز بين دلالات الألفاظ من مطابقة وتضمن والتزام، وحقيقة ومجاز، ومشترك ومتواطئ، وترادف وتباين، واقتضاء وإشارة وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
أقول: ويتفاوت المطلوب من هذه المعارف والعلوم، حسب نوع الاجتهاد الذي يريد المجتهد أن يمارسه. فالاجتهاد في جزئية صغيرة، لا يتطلب ما يتطلبه الاجتهاد في كليات الأحكام الشرعية. والاجتهاد الذي يمارسه الفقيه ضمن قواعد مذهبه الفقهي الذي ينتمي إليه، لا يتطلب من الدقة في استيعاب الأحكام وتلك العلوم ما يتطلبه الاجتهاد المطلق الذي لا يتقيد صاحبه بمنهج اجتهادي سابق. وهذه الملاحظة تسلمنا إلى المسألة التالية وتفصيل القول فيها:

أقسام الاجتهاد وواقعه إلى هذا اليوم:
للاجتهاد تقسيمات من جوانب متعددة.
فهو ينقسم، من حيث النظر في مناط الحكم (أي في متعلَّقه) إلى ما يسمى بالاجتهاد في تحقيق المناط وتخريج المناط وتنقيح المناط.. وينقسم من حيث النظر في أحكام الشريعة الإسلامية مجتمعةً ومتجزئةً إلى الاجتهاد الجزئي، أي في جزئية ومسألة واحدة من مسائل الشريعة الإسلامية، وإلى الاجتهاد فيما يعم سائر جزيئاتها وأحكامها.. وينقسم من حيث استقلال المجتهد بأصول الاجتهاد ومنهجه أو عدم استقلاله بها، إلى ما يسمونه اجتهاداً مطلقاً واجتهاداً في المذهب. وسأتحدث في كل من هذه الأقسام بالقدر الذي يسمح به هذا المجال.
أولاً - من حيث النظر في مناط الحكم ومتعلّقه
وهو يتفرع كما قلت إلى الأقسام التالية: أولها الاجتهاد في تحقيق المناط، وهو يعني تطبيق الأحكام الشرعية على وقائعها ومتعلقاتها، على صعيد العمل التنفيذي. مثال ذلك أن الله تعالى قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 65/2] فجعل مناط قبول الشهادة العدالة. وقد أوضحت الشريعة معنى العدالة وحدودها. ويبقى تطبيق هذه الحدود على الأشخاص. وتلك هي وظيفة المكلف وواجبه عندما يريد أن يُشْهد على أمر من الأمور. ومثاله أيضاً أن الله جعل الفقراء من مستحقي الزكاة. وقد عرفنا معنى الفقر الذي عناه البيان الإلهي. وإنما بقي تطبيق صفة الفقر على الأشخاص الذين هم مناط هذا الحكم الرباني.
ولا أعلم خلافاً في أن هذا الحد الأدنى من الاجتهاد، واجب على كل من تكاملت لديه أهلية التكليف، إذ هو اجتهاد يسير يقوى عليه كل ذي نظر وفكر[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ثاني هذه الأقسام وثالثها: الاجتهاد في تخريج مناط الحكم والاجتهاد في تنقيح مناطه. والمراد بالأول منهما بذل الجهد لاستخراج علّة الحكم الشرعي في الواقعة المنصوص عليها، تمهيداً للقياس عليها بموجبها، كاستنباط علة جريان الربا في الأصناف الأربعة المنصوص عليها من المطعومات.. والمراد بالثاني منهما تشذيب ما علق بالعلة الشرعية، من صفات اتفاقية لا مدخل لها في علّة الحكم، كلون الخمرة وما قد يعلوها من فقاقيع وزبد.
ومما لا ريب فيه أن هذين القسمين من الاجتهاد، يخضعان للشروط الاجتهادية العامة التي سبق ذكرها. وذلك عند من يأخذ بحجية القياس ويبني عليها الأحكام، وقد سبق بيان ذلك.
ثانياً - من حيث التجزؤ وعدمه
وبيانه أن الباحث قد يكون ذا ملكة علمية عامة، تخوله الاجتهاد في سائر الأحكام الفقهية، وقد يكون متخصصاً في دراسة بعض الأبواب أو المسائل دون غيرها، فيبلغ في تلك المسائل التي اهتم بدراستها درجة الاجتهاد، ولكن بقي دون تلك الرتبة فيما سواها.. فالأول إذن مجتهد في سائر الأحكام الفقهية أي فهو مجتهد كلي. والثاني مجتهد في بعض المسائل دون غيرها فهو إذن مجتهد جزئي. وهذا مقبول وممكن. إذ إن الشروط التي يجب أن تتوفر للاجتهاد، إنما تتعلق بالمسائل التي يريد الباحث أن يجتهد فيها، ذلك لأن العلم ليس حقيقة مترابطة غير قابلة للتجزؤ. بل العلم بكل مسألة منفصلة عن العلم بالمسائل الأخرى.
ولكن مما لا ريب فيه أن جامعاً مشتركاً من الملكة العلمية العامة، يجب أن يكون متوافراً لدى كل من يريد أن يجتهد، كيفما كان اجتهاده، جزئياً أم كلياً. أي فليس معنى تجزؤ الاجتهاد إمكان أن ترى الرجل ضليعاً في مسألة فقهية واحدة، وجاهلاً جهالة مطبقة في المسائل الأخرى، بل إن مثل هذه المفارقة لا يمكن أن تتحقق بحال.
ثالثاً - من حيث الإطلاق والانضباط بأصول أحد المذاهب
والاجتهاد، من هذه الوجهة الثالثة ينقسم إلى ما يسمونه اجتهاداً مطلقاً، واجتهاداً في المذهب.
فالأول هو أن يعتمد الباحث المجتهد على مداركه ومعلوماته الشخصية في استخراج أصول الاجتهاد العامة ومسالك الاستدلال، وأن يعتمد على ما يراه هو من قواعد تفسير النصوص، ودلائلها وأحكامها باجتهاد ذاتي منه... ويعدّ الأئمة الأربعة ومن على شاكلتهم في مقدمة من تمرسوا بهذه الصفات وتبوؤوا هذه الدرجة في الاجتهاد.
والثاني هو أن يلتزم الباحث منهج أحد الأئمة، في أصول الاجتهاد ومسالك الاستدلال، ثم يبني على منهجه ما قد يستقلّ به من الاجتهاد في الأحكام الفقهية المختلفة. فهو مجتهد، ولكن ضمن خطة سبق أن وضعها أحد الأئمة من قبله. ومن هنا سمي مجتهداً في المذهب.
إلا أن الذي تجدر ملاحظته في هذا الصدد. أن هذا التقسيم غير وارد عند الشيعة الإمامية. ذلك لأن النظر في أحكام الشريعة الإسلامية إما أن يكون عائداً إلى واحد من أئمة آل البيت السابقين، وإما أن يكون عائداً إلى من جاء بعدهم. فأما النظر في تلك الأحكام في عهود أولئك الأئمة، فهو لا يُعدّ اجتهاداً بالمعنى الذي ذكرناه، وإنما هو علم يرد من الله إلى عقول أولئك الأئمة. ومن ثم فهو غير قابل للخطأ والزيف. وأساس ذلك ما يتصفون به - في اعتقاد الإمامية - من العصمة. وهي وإن كانت دون مستوى النبوة المؤيدة بالوحي. فهي على كل حال كلاءة متميزة من الله تعالى لهم تحميهم من الوقوع في الأباطيل والأوهام... وأما النظر في الأحكام في العهود التي تلت من بعدُ، إلى يومنا هذا، فهو اجتهاد ولكنه غير خاضع للتقسيم إلى ما هو مطلق وما هو مقيد لعدم وجود المناخ الذي يستدعي ذلك زمنياً. وإذا أخذنا بالاعتبار الدّور الذي يقوم به اعتماد (ولاية الفقيه) فإن بوسعنا أن نعتبر الاجتهاد في هذا العصر محصوراً في هذه الهيئة العلمية المتميزة التي تحل بشكل مؤقت محلّ قيادة الإمام وتوجيهه.

حجية الاجتهاد وقيمته الدينية
إذا كان الاجتهاد واجباً دينياً كما أوضحت، فإن ما قد يؤدي إليه هذا الاجتهاد، يكون بالضرورة حكماً دينياً... وإنها لقضية منطقية شرطية تحمل برهانها في داخلها.
وإنه لخطأ بيّن ذلك التصور الذي يقع تحت تأثيره بعض الكاتبين والباحثين في هذا العصر، إذ يفرقون بين ما يسمونه الشريعة الإسلامية، وما يعبرون عنه بالأحكام الفقهية الاجتهادية، ثم يحصرون سمة الدين وسلطانه فيما يسمونه الشريعة، وينفون هذه السمة عن سائر الأحكام الاجتهادية، بحجة أنها ليست إلا من إبداع المجتهدين وحصيلة أفكارهم البشرية.
والحقيقة أن الدعوة الهائجة اليوم عند عشاق الحضارة الغربية إلى الاجتهاد وإعادة النظر في الأحكام الفقهية القائمة، ثمرة لهذا التصور الخاطئ والخطير.
إنهم يتصورون أن أكثر الأحكام الفقهية المدونة في مصادرها ثمرة لاجتهاد علماء امتازوا بالدربة والمعرفة القانونية في عصورهم، وما أيسر أن تنسخ أفكارهم بأفكار أمثالهم من العلماء الذين جاؤوا على أعقابهم اليوم.. أي إن الاستهانة بالقيمة الدينية الكامنة في الأحكام الفقهية الاجتهادية، هي التي تحفز أصحاب هذه الاستهانة إلى الدعوة إلى ما يسمونه بتجديد الفقه الإسلامي عن طريق اجتهاد جديد.
غير أنا إذا تأملنا في هذا التصور الذي يتضمن هذا التفريق المختلق بين الشريعة الإسلامية والأحكام الفقهية الاجتهادية، فإنا سنجد أن خضوعنا لما يسمّى بالشريعة الإسلامية يؤول إلى خضوع وهمي لشعار لا مضمون له.
ذلك لأن جلّ أحكام الشريعة الإسلامية، أحكام اجتهادية مأخوذة من الدلائل الظنية للنصوص. فإذا كان المعنى الاجتهادي الذي فيها يسقط عنها القيمة الدينية، فقد عاد اسم الشريعة الإسلامية كحقيبة كبيرة أفرغت من كل ما فيها، يحملها صاحبها على كتفه، تحت وهم أنه يحمل فيها أمتعته وحوائجه!..
وكم قرأنا لأناس يقدسون الشريعة الإسلامية كل التقديس، فلما قيل لهم عن الربا وحرمته أجابوا بأنه حكم اجتهادي منوط بظروف تبدلت وتطورت.. وإذا حدّثتهم عن عقوبة الزنى أو القاتل أو المرتد أو ذكرت لهم أحكام الذمة، أو فصلت لهم شيئاً من أحكام المرأة فيما يتعلق بلباسها وآدابها، هَوَّنوا من الأمر، وتحرروا من تبعات هذه الأحكام كلها بحجة أنها آراء اجتهادية!..
وإن أحدنا ليسأل بحق: فماذا تعني الشريعة الإسلامية المقدسة الخالدة إذن؟!.. وما هي مضموناتها التي يتجلى فيها معنى خلودها وخضوعنا لسلطانها، إذا استثنينا بدهياتها المعروفة كأصل وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة...؟
ونعود، فنردّ على هذا اللغو بتأكيد القضية المنطقية التي استقطبت إجماع علماء المسلمين، وهي أن الأحكام الاجتهادية التي جاءت نتيجة اجتهاد شرعي سليم توافرت فيه أصول الاجتهاد وشروطه، جزء لا يتجزأ من الدين. فهي إذن أحكام دينية يلزم بها صاحب الاجتهاد في حق نفسه أولاً، ثم يلزم بها كل من تقاصرت درجته العلمية عن الاجتهاد ثانياً.. ثم إن لم يجد أمامه إلا هذا الاجتهاد، فليس له عنه أي معدل. وأما إن تعدد المجتهدون من حوله وتعددت اجتهاداتهم في المسألة الواحدة، فعليه أن يختار منها ما تسكن إليه نفسه ويطمئن إليه قلبه. وإنما الحكم الديني في حقه، أن لا يخرج عن اتباع مجموع تلك الآراء الاجتهادية التي انتهى إليها أولئك المجتهدون.
يدلّ على ذلك قول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 16/43].
فإن الأمر بسؤال أهل الذكر، وهم العلماء، إنما هو فرع عن الأمر باتباعهم، وهل الدّين إلا ما أمر الله عباده به؟
ويدل عليه أيضاً ما تم الاتفاق عليه، من أن المجتهد إذا عاد فغير اجتهاده في مسألة واحدة، فإن اجتهاده اللاحق لا ينقض اجتهاده السابق في المسألة ذاتها، قال الأسنوي في شرحه على منهاج البيضاوي ((والاتفاق على أن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ] وقال صاحب مسلّم الثبوت ((لا يُنقَضُ الحكم في الاجتهادات إذا لم يخالف قاطعاً، وإلاّ نقض هذا النقض باجتهاد لاحق، ويتسلسل..))[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
وجه الدلالة، أن الاجتهاد الذي توفرت شروطه ينزل منزلة النص في دلالته على الحكم الشرعي. فكما أن اتباع مدلول النص واجب ديني، فكذلك اتباع ما انتهى إليه النظر الاجتهادي في حق المجتهد ومقلده، واجب ديني. فإذا عرض له بعد ذلك اجتهاد آخر في المسألة ذاتها، وانتهى إلى ترجيح اجتهاد مخالف لما كان قد ظنه وارتآه، فإنما يكون ذلك كورود نص معارض للنص الذي قبله، ينسخه وينهي زمن العمل به، ولا يحمل أي دلالة على أنه كان خطأ أو باطلاً من أساسه. فالاجتهاد الثاني أيضاً لا سلطان له على الزمن الذي أبرم فيه الاجتهاد الأول، لأنه استظل بحكم ديني صحيح. وإنما ينبسط سلطانه على الزمن الثاني الذي ظهر فيه الاجتهاد الجديد، عن طريق النسخ والإنهاء فقط.
ولم أجد إلى الآن ما يدلّ على مخالفة الشيعة أو الإباضية للجمهور في هذه المسألة.
وأوضح شاهد على ذلك، هو أن كتب الفقه المقارن وكتب أحاديث الأحكام مع شروحها تفيض بذكر الآراء الاجتهادية للشيعة الإمامية والزيدية والإباضية المتفقة أو المخالفة لآراء المذاهب الأخرى. ومن البدهي أن أياً من أصحاب هذه المذاهب لا يجنح إلى ما رجحه اجتهاده، إلا لما يعتقد من دينيَّة ما انتهى إليه وغلب على ظنه أنه الحق بالنسبة إليه.
غير أن في الناس اليوم من يثير الشبهات التالية حول حجية الاجتهاد ودينيَّته.
أولاً: قولهم إن إثبات الصفة الدينية في الأحكام الاجتهادية يتعارض مع ما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرسل صحابياً على رأس سرية. فقال له فيما قال: وإذا أنزلت أهل حصن على حكمك، فلا تقل إنه حكم الله عز وجل، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا. ولكن أنزلهم على حكمك.
والجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن قضايا السلم والحرب وكل ما يتعلق بهما وينتج عنهما، لا يجوز أن يبت فيها إلا إمام المسلمين أو من قد ينيبه عنه، كما في هذا الحديث، وهذا معنى كونها داخلة في أحكام الإمامة. وقد علمنا أن الإمام مفوض في هذه القضايا أن يتخير أقرب ما يراه محققاً لمصلحة المسلمين.. ونظراً إلى أن ما يتخيره الإمام أو نائبه من ذلك، قد لا يصيب الأوفق والأصلح (كاختياره صلى الله عليه وسلم افتداء الأسرى على قتلهم في غزوة بدر) فقد كان من مقتضى الحيطة والأدب مع الله عز وجل أن ينسب الإمام أو نائبه ما يراه من الاجتهادات في أحكام الإمامة إلى نفسه، ولا ينسبه إلى الله عز وجل تحسباً لهذا الاحتمال.
غير أن هذه الحيطة، لا تجعل الناس في حل من اتباع الإمام فيما قضى به من أحكام الإمامة. بل يجب عليهم بإيجاب الله تعالى الانقياد لما قضى به وإطاعته فيما ألزمهم به من ذلك.
الوجه الثاني: أن من مقتضى الأدب مع الله تعالى في سائر الأحكام الاجتهادية، أن ينسب المجتهد ما انتهى إليه بعد النظر والتمحيص، إلى فهمه واجتهاده، لاحتمال أن يكون مخطئاً.
غير أن هذا الاحتمال لا يعفيه من ضرورة اتباع ما هداه إليه اجتهاده، كما لا يعفي الذي يستفتيه من وجوب اتباعه في هذا الذي أفتاه به. بل إن كلاً منهما يجب أن يدين باتباعه والانقياد له.
ثانياً: يقول بعضهم إن ثبوت القيمة الدينية للشيء إنما يترتب على يقين اعتقادي بذلك. واليقين الاعتقادي لا يتوافر إلا حيث تقوم أدلة ثابتة ثبوتاً قطيعاً. والأحكام الاجتهادية مظنونة دائماً. فكيف يترتب الحكم اليقيني الذي هو أساس القيمة الدينية، على مسائل وتصورات ظنية؟
والجواب أن القيمة الدينية الثابتة يقيناً، آتية من الدليل الشرعي اليقيني، على أن العمل بالأحكام الاجتهادية في حق أصحاب الاجتهاد ومقلديهم، واجب لا مناص منه، وليست آتية من جهة الدلالة الظنية التي أورثت الحكم الاجتهادي المظنون، فالجهة بين هذين الأمرين كما ترون منفكّة. ورب مسألة كان الدليل عليها ظنياً، ولكن ثبت وجوب العمل بها بدليل قطعي.. وإن من أجلى الأمثلة على ذلك، دلالة خبر الواحد في نطاق الأحكام العملية، فإن مدلوله يغلب أن يكون ظنياً، إلا أن الأدلة الصحيحة قد تواردت وتواترت على وجوب العمل بمقتضى هذه الأخبار[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ثالثاً: وربما قال قائلهم إن إعطاء الحكم الاجتهادي قيمة دينية ثابتة، يستلزم الجنوح إلى رأي المصوّبة، وهم الذين يرون أن الحق في المسألة الواحدة يتعدد بتعدد المجتهدين، وأنهم كلهم، بناء على ذلك، مصيبون. ومن المعلوم أن الراجح هو أن الحق في علم الله وحكمه واحد، وأن المجتهد قد يصادفه وقد لا يصادفه، وهو ما صرح به رسول الله في الحديث الصحيح.
والجواب عن هذه الشبهة. أن هذه المسألة ليست مما نحن بصدده في شيء. فإن البحث في وحدانية الحق أو تعدده في علم الله شيء، وإلزام الله عباده باتباع ما غلب على ظنونهم أنه الحق، في الأحكام العملية، شيء آخر، وليس بينهما أي تلازم.
فإن القبلة التي أمر الله عباده بالتوجه إليها في صلاتهم واحدة في واقع الأمر وأصله. ولكن الله عز وجل لم يلزم عباده البعيدين عن الكعبة بأكثر من التوجه إلى الجهة التي غلب على ظنهم أن القبلة فيها. حتى وإن تغير ظن المصلي في أثناء صلاته، بحيث اقتضى ذلك أن يتحول في كل ركعة من صلاته، إلى جهة أخرى، بل ذلك هو واجبه الديني، لا يملك غيره[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
وهكذا، فإن الله عز وجل نزّل ما هدى المجتهدين اجتهادهم إليه، منزلة الحق الثابت في علمه، تجاوزاً منه وفضلاً. فكان ذلك في حقهم هو الدين الذين يجب اتباعه.
هذا كله، إذا أخذنا برأي القائلين بأن الحق في أحكام الشريعة واحد، وبأن المجتهد إما مصيب أو مخطئ. أما إذا جنحنا إلى رأي المصوّبة، ومنهم الإمام الغزالي والباقلاني وإمام الحرمين، وآخرون، فلا إشكال أصلاً.
والخلاصة التي لا أحسب أنها تغيب عن بال أي باحث متدبر، هي أن الاجتهاد في معرفة أحكام الدين واستنباطها من مصادرها، واجب ديني كما قد عرفنا وتبين لنا في أول هذا البحث.
إذن فالنتائج التي تنبثق عن الاجتهاد لابدّ أن تكون أحكاماً دينية. وإلاَّ لوقع التشاكس بين المقدمة والنتيجة، وهذا ما لا يعقل نسبته إلى الدين الحق.
متى يبطل الاجتهاد السابق حكم الاجتهاد اللاحق؟
قلت إن الاجتهاد اللاحق لا ينقض الاجتهاد السابق في المسألة ذاتها، بل إن لكل منهما مشروعيته في ميقاته.
ولكن ربما تكون من الاجتهاد السابق إجماع ضمني يتعلق بجزء مما قد تعلق به ذلك الاجتهاد، ففي هذه الحالة يبطل كل اجتهاد لاحق يتعارض مع الجزء الاجتهادي السابق الذي ارتقى إلى درجة الإجماع.
مثاله أن يختلف المجتهدون في عصر سابق، في مسألة ما، إلى رأيين، ولكن يوجد بين الرأيين جامع مشترك هو محلّ اتفاق من أصحاب الرأيين. ففي هذه الحالة لا يصح الاجتهاد اللاحق إن خالف هذا الجامع المشترك. لأنه يعدّ مصادرة لحكم تم عليه الإجماع.
ومن أقرب التطبيقات الفقهية لذلك، اختلاف الأئمة في ميراث الجدّ مع الإخوة، فإنهم اختلفوا فقال بعضهم: المال كله للجدّ، وقال بعضهم: بل المال بينهما. فقد اتفق القولان إذن على أن للجدّ في كل الأحوال شيئاً من المال. فاجتهاد من جاء لاحقاً بقول ثالث، وهو حرمان الجد وإعطاء اللمال كله للأخ، اجتهاد مخالف للإجماع السابق الذي انبثق من الرأيين السابقين. ومن ثم فهو اجتهاد باطل ومردود.
وتبين من هذا أن القول الثالث الذي جاء به اجتهاد لاحق، يكون شرعياً ومقبولاً إذا لم يعارض شيئاً متفقاً عليه في السابق، مثاله: أن يرى بعضهم جواز أكل الذبيحة متروكة التسمية سواء كان ذلك عمداً أو نسياناً، في حين يرى بعضهم أنه لا يجوز أكلها إن كان ترك التسمية عمداً.
فإذا جاء من بعدُ، من اجتهد في الأمر، فرأى أن متروك التسمية لا تؤكل سواء تركت التسمية عمداً أو سهواً، فإن هذا القول الثالث لا يصادم شيئاً متفقاً عليه لدى أصحاب الرأيين السابقين.
هذا ما ذهب إليه جمهور الأصوليين: الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة[فقط الأعضاء المسجلين يمكنهم رؤية الروابط. ].
ولم أعثر في هذه المسألة على خلاف للإباضية أو الشيعة لهذا الذي ذهب إليه الجمهور. هذا مع العلم بأن الإجماع المعتدّ به عند الشيعة الإمامية هو إجماع آل البيت.

أخيراً، هل أغلق باب الاجتهاد؟
هنالك من قال من العلماء: إن باب الاجتهاد قد أغلق فعلاً منذ أواسط القرن الرابع، وقد عادت مهمة الفقهاء مجرد ترجيح بين الأقوال أو تخريج عليها.. وفيهم من قال: بل إن باب الاجتهاد لم يغلق ولا يملك أن يغلقه أحد، ولكن تقاصرت الهمم وتراجعت العلوم الفقهية، وفيهم من قال: إن الاجتهاد لم يغلق بابه والعلماء لم تتقاصر همههم ولا تناقصت علومهم. ولكن أدركتهم الرهبة وخانتهم الجرأة فلم يقتحموا إليه كما فعل من قبلهم.
فما هو الحق في هذه المسألة؟ وما هو واجب المسلمين اليوم؟
لعل الجواب الذي يتفق مع المنطق وتسكن إليه النفس، ما قاله الشيخ محمد نور الحسن رحمه الله في بحث ألقاه في المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة. قال:
((الذي يظهر لي أن النزاع في أن باب الاجتهاد أغلق أم لم يغلق، لا طائل منه، إذ لم يتوارد فيه السلب والإيجاب على مورد واحد. ولذا فإن أصحاب كل من الرأيين على حق، بالنظر إلى المعنى الذي يتصورونه ويرمون إليه.
فالاجتهاد قد أغلق بابه فعلاً مع بداية القرن الرابع، إذا كان مقصوده الاجتهاد المطلق الذي يبدأ أصحابه بوضع الأسس الاجتهادية، واعتماد أصول الاستدلال، والاجتهاد لم يغلق بابه، بل هو مستمر إلى يومنا هذا، إن أريد به استعمال هذه الأسس والقواعد الثابتة، في استخراج الأحكام من مصادرها الشرعية، وفي مواصلة الاجتهاد في كل ما يجد من القضايا والأحكام)).
أعتقد أن بوسعي أن أزيد هذا الكلام الدقيق إيضاحاً، من خلال بيان ما يلي:
إن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ليس عملاً إبداعياً طليقاً، كالذي نعرفه في نطاق البحوث المتعلقة بكثير من المعارف والأفكار الإنسانية الأخرى.. وإنما هو اتجاه مرسوم، والتزام بمنهج محدد. إذ هو ليس أكثر من البحث عن حكم الله الذي خاطب وألزم به عباده في كتابه أو أوحي به وحياً غير متلو إلى نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كل ذلك استناداً إلى سبل ووسائل علمية محددة، لا مجال لأحد من الناس، مهما كان شأنه أن يتجاوزها أو يتحرر منها.. إذن فالساحة الاجتهادية أمام الباحثين محددة ضمن قواعد وأصول ثابتة معينة في تفسير النصوص والقياس عليها.
وقد كان لحسن حظ العلماء الذين جاؤوا في القرن الرابع فما بعد، أنهم نظروا إلى العلماء الذين سبقوهم، وإذا هم قد ا ستخرجوا أصول الاجتهاد وقواعد الاستنباط، واتفقوا على ما لا مجال فيه للاختلاف من تلك القواعد والأصول، وتقاسموا وجوه الرأي في كل ما فيه متسع للرأي والخلاف ثم تأمل هؤلاء المتأخرون في جزئيات الأحكام الفقهية، فرأوا أنه ما من مذهب اجتهادي يمكن أن يلوح لهم في فهم نص أو استنباط حكم، إلا وسبقهم إلى القول به واحد من أولئك السابقين!..
وهكذا، فقد رأوا أن الساحة الاجتهادية المطلقة محجوزة كلها عنهم باجتهادات من سبقهم. لا لأن أولئك السابقين كانوا أكثر منهم تعمقاً وعلماً، ولكن لأن الساحة كما قلت محدودة، ولأن احتمالات وجوه فهم النصوص هي الأخرى محصورة ومتناهية، فبأي طاقة أو مرونة اجتهادية يتمكن هؤلاء من إبداع اجتهادات جديدة في مسألة ما، مما سبق النظر والاجتهاد فيه؟ وبأي وسيلة اجتهادية مشروعة يصلون إلى اختراع قواعد ومناهج جديدة للاجتهاد وفهم النصوص، لم يُسْبَقُوا إليها؟ كيف يتسنى لهم ذلك إذا كانت الاحتمالات الممكنة والواردة كلها قد سُبِق إليها، وسُدَّت أو عولجت بدراسات اجتهادية سابقة؟
ومن هنا نعلم أن شيئاً آخر غير العبقرية العلمية، لعب دوراً كبيراً في رفع أولئك الأئمة الذين كانوا في الصدر الأول من تاريخ التشريع الإسلامي، إلى مركز الصدارة في الميدان الاجتهادي، ألا وهو فراغ المجال الاجتهادي أمامهم، بحيث إن أي إنجاز علمي يتجلّى فيه، لابدَّ أن يأخذ الشكل الإبداعي، وأن يسمى بالاجتهاد المطلق.
فهذا هو الذي أظهر أسبقية أولئك في مظهر المبدعين للاجتهاد ومناهجه، وأظهر هؤلاء المتأخرين، شاؤوا أم أبوا، في مظهر المقلدين والتابعين، حتى وإن كانوا في واقع الأمر مستقلين بالنظر والبحث.
وقد نقل الزركشي عن القفال الشاشي أنه كان إذا استُفْتِي أجاب السائل، ثم قال له: لست مقلّداً للشافعي، ولكن وافق رأيي رأيه!.. وكذلك ابن دقيق العيد والعز بن عبد السلام (من أعيان القرن السابع) فقد كان كل منهما يجتهد فيما يُستفْتَى فيه، إلا أنه يجد نفسه مع ذلك غير خارج عن مذهب إمامه..
إذن فإن ما كان يبدو في النشاطات العلمية لعلماء القرن الرابع فما بعد، من مظهر التقيد بمنهج من قد سبقهم، لم يكن عن تقليد وابتعاد منهم عن الاجتهاد، بل لم يكن لهم منه بدٌّ ولا مناص. لهذا السبب الذي ربما أطلت في بيانه.
* * *

أخيراً ما الذي نأخذه من هذا الكلام كله لعصرنا الذي نحن فيه؟
نأخذ منه ما يلي:
أولاً: باب الاجتهاد مفتوح ولا يمكن أن يغلقه أحد.. ولكن له شروطه وضوابطه، ولا يجوز أن يتلاعب بها أحد.
ثانياً: لا معنى للتطلع إلى ما يسمى (الاجتهاد المطلق) إذ لا معنى ولا مبرر لاطّراح قواعد الاستنباط وتفسير النصوص، لمجرد أنها قديمة الاكتشاف، وأن غيرنا من العلماء قد سبق إلى معرفتها والعمل بها فاكتسب بذلك اسم (المجتهد المطلق). الشأن في ذلك كشأن الذين اكتشفوا من قبلنا قواعد اللغة العربية تماماً.
ثالثاً: إن دراسة المشكلات والأوضاع الحديثة يجب دراستها دراسة اجتهادية بجدّ وإخلاص، وهي تدخل بدون ريب في صميم واجباتنا وحياتنا الإسلامية، ومن الخير الاستنجاد بـ(الاجتهاد الجماعي) كلما اشتدت المشكلة وتغلبت عوامل الالتباس والتشابه.
رابعاً: إن الكلمة الجامعة التي ينبغي أن تلتقي عليها المذاهب الإسلامية في هذا العصر بصدد مسألة الاجتهاد، هي: أن المسالك الاجتهادية إنما هي السبل المؤدية إلى معرفة الغوامض من أحكام الله وأوامره للانضباط بها والتحرك داخل ساحتها، وليست، كما يجب أن يراها بعضهم اليوم، سبلاً للتسلل والفرار من خلالها، من ضوابط الشرع وقيوده، والابتعاد عن فلك الدين والتحرر من جاذبيته.
والميزان الذي به يمكن أن ندرك هذه الحقيقة ونتذوقها، هو القاعدة التي لا شذوذ فيها ولا ريب والقائلة:
إن الإسلام الحضاري الذي يثير دهشة وإعجاب كثير من الناس، لا يمكن أن ينهض إلا على أساس راسخ من الإسلام التديّني!.. وإن كلاً من الماضي البعيد، والحاضر الذي نتقلب فيه، لأكبر شاهد على ذلك.
والحمد لله رب العالمين.

الاثنين، 22 مارس 2010

إلاَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

بسـم الله الرحمـن الرحـيم

إلاَّ رسول الله  ...


آهٍ يا مسلمون . . يتطاول الأقزام على النبي الإمام ، وينال السفهاء من سيد الأنبياء ؛
إلى هذا الحد ! يُسيئون لسيدنا المصطفى  ، على مرآ ومسمعٍ من العالم المتحضر ، الذي قُدِّم لنا على أنه نموذج الحضارة وإكسير السعادة ، يُسيئون لسيد الكائنات  ، بلا خجل ولا وجل ، بدعوى حرية التعبير المزعومة .
واللهِ أنا أتحدَّى قزماً من هؤلاء ، أن يتطاول على قسيس أو على أحد الرهبان !
والذي يُدمِ القلب ، أن يتعاطف مع هذه التي يسمونها الدنمارك كل دول أوروبا بالأمس القريب ،
لماذا ؟ ..
لأنَّ المسلمين همجيون ، متطرفون ، أصوليون ، فوضيون ،لا يعيشون إلا في عصور الظلام ، لا يعيشون عصور الديمقراطية المشؤومة ، ولا يعرفون حرية التعبير المزعومة ، لمجرد أنهم قاموا على قلب رجل محب واحد للحبيب ، ليعلنوا عن غضبهم لحبيبهم ونبيهم ؛
وأنا أسأل الآن ؛ من المتطرف ، ومن الإرهابي الآن ؟ حين يُساء لنبينا ونُعبِّر ؟ .. نُتَّهم بالتطرف !!
وهذا ليس بجديد ، فلقد شنَّ أفراخ المستشرقين والملحدون الخُبثاء من قبل على الإسلام والمسلمين ، وأثاروا الشبهات الحقيرة ، وإن دلَّت كلماتهم ، فإنها تدل على عقول أنهكها التحلُّل الأخلاقي ، وأرهقها العجز عن استيعاب الحقائق الكبيرة التي لا يُدرك مغزاها ومعناها مثل هؤلاء الأقزام .
ولكنني أقول : إن تخلَّى أهلُ الأرضِ عن سيدنا رسول الله  ، فإن ربَّهُ الذي بعثه وتولاه ، لن يتخلَّى عنه أبداً ، فلا تتخلّوا أيها المسلمون عن من لن يتخلَّى عنه الله ، حتى لا يتخلَّى عنكم ربكم تبارك وتعالى
لابدَّ أن تتضافر الآن للجهود ، للذبِّ عن الحبيب المحبوب .
فلا إن نال الأقزام من قمة القمم ، ومن ذرة تاج الجنس البشري كله ، فلن يستطيعوا أبداً أن يصلوا إلى هذه السماء العالية ، وإلاّ فهل تصل إلى السماء يدٌ شلاّ !
 يُريدونَ ليُطفِئُوا نُورَ اللهِ بأفواهِهِم واللهُ مُتِمُ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكافرون 
 هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المشركون 
فالذي سيتولى الدفاع كما دافع عن سيدنا المصطفى  قبل ذلك هو الله  ، القائل سبحانه :
 إنا كفيناك المستهزئين  ،  واللهُ يَعصِمُكَ من الناس  .


فما تطاول بشرٌ على سيد البشر ، إلاّ واقتصّ الله منه لحبيبه في الدنيا قبل الآخرة ؛
أُعلِنُها بملءِ فمي ، في الدنيا قبل الآخرة ، سيقتصّ الله لحبيبه المصطفى  في الدنيا قبل الآخرة ، هذا وعد الله جل جلاله ؛ فقدر سيدنا المصطفى  عند ربنا كبير ، ومكانته عنده عظيمة .

واللهِ ما سبَّ إبليس رب العالمين ، وما سبَّ إبليس أحداً من المرسلين ، كلا ورب الكعبة ،
هؤلاء ألعن من إبليس ، فهؤلاء الأبالسة الذي يتعلم اليوم منهم إبليس اللعين هم ألعن منه وأوقح منه .
فكل من آذى المصطفى ملعون ، وكل مؤمن صادق مأمور بنصرة نبيه  .


نُصرَةُ النبي ليست حماساً فوَّاراً مؤقتاً ، فقلوبنا تنزف مع كل أزمة تمر بها الأمة ، تهيج الأمة وتصرخ وتهتف بحناجر ملتهبة غاضبة ؛ وهذا شعورٌ لا أقللُّ من شأنه ولا ينبغي لأي حاقدٍ أن يقللَّ من المشاعر الفياضة الجياشة التي يجسد بها الصادقون حبهم لرسول الله  ؛


لكنَّ الذي يُدمِ القلب ، ويُحزن النفس ، أن تتوقف هذه المشاعر وأن تتجمد بعد شهرٍ أو شهرين ، كما هو واقع ، ويتناسى كثير من المسلمين الحدث وكأنَّ شيئاً لم يكن ، وهذا أمر متكرر .
فيجب أن نقيم حداً لهؤلاء المهازيل من البشر ، فلا من الأدب مع سيدنا رسول  ، بل ولا حتى مع أنفسنا أن نقف مكتوفي الأيدي .

لذا فأنا أقول : النصرة الحقيقية لسيدنا رسول الله  لا تكون إلاّ باتِّباعه والتخلق بأخلاقه ، فكيف تدّعي أنك تنصر رسول الله ولم تتخلق بعد بأخلاقه ؟ وأنت مضيع للصلوات ؛ وأنت سيء الأخلاق والآداب ؛ كيف ننصر سيدنا رسول الله  ونحن نأكل الربا ، ونحن نعاقر الزنا ، ونحن نأكل أموال اليتامى ، ونحن نؤذي الجيران والناس ، ونحن نهدر المال العام ونرى أنه لا صاحب له ؟ .
فليسأل كل واحد منا الآن نفسه ، فهل نحب رسول الله حقاً ؟ .. سؤال مرير بمرارة بُعدنا عن الله تبارك وتعالى !هل يُحِبُّ رسولَ الله  كل واحد منا ، حُبَّاً يفوق حبه لزوجه وولده ونفسه التي بين جنبيه ، سيتضح لكل واحد منا صدقه في هذه الدعوة ؛ فما أيسر الادعاء ، وما أسهل الزعم والتنظير والكلام .
نصرتكم لنبيكم هى في حبكم الصادق له  ، في اتباع سُنّته والزود عنها ، فلينظر كل واحد منا لنفسه ،
أنظر لأوامر النبي القولية ، ولسنة النبي الفعلية والعملية ، ولسنة النبي التقريرية ، أين أنت من قولٍ وعملٍ
وتقرير .


فنحن الآن في حاجة إلى المدافعين عن السُنّة لا بالأقوال فحسب ، بل بالقول والمظهر والقلب والعمل ، لأننا نعيش الآن عصراً أُعلنت فيه الحرب الضروس على سيد الكائنات وعلى سُنّته ، وعلى المتّبعين ، فما أحوج الأمة اليوم إلى من يُحوِّلون السُنّة إلى واقع عملي يتألّق سمواً وروعة وجلالا ..

فما أحوج الأمة اليوم ، بعلماء ها وحُكّامها ورجالها ونساءها ، إلي رسول الله  ، لتطبق سنته تطبيقاً عملياً على أرض الواقع ، إذ لا عزة لها ولا كرامة إلاّ إذا عادت من جديد ، لأثر النبي الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فأقلَّ ما تستطيع عمله هو أن تقاطع بضائع من يحاربونك ، من يحاربون نبيك ويحاربون الإسلام والمسلمين ...
هيّا من الآن .. دقق الفحص وأمعن النظر في كل ما تشتريه من البضائع ، قبل أن تشتري دقق من أين جاءت هذه البضاعة ، ولتكن عادة ، وعلّمها غيرك ، حتى يعلم الغرب الحاقد ، قدر رسول الله عندنا ،
فهذه مسؤوليتكم أيها المسلمون ، وهذا دور كل واحد منكم ، ولا ينبغي أن يدّعي أحدٌ منا أنه لا دور له ولا مسؤولية يتحملها ، بل أنت مسؤول أمام الله جل وعلا ، فاتقي الله على قدر استطاعتك ، واتقوا الله ما استطعتم ، والله  سيجعل في هذا الجهد ولو كان ضئيلاً الخير بإذن الله عز وجل ، ووعد الله قائم ينتظر العُصبة المؤمنة التي تقوم وتعلو لمستوى هذا الدين .


وفي الختام .. أختم بعلامة لعلامات الحب الصادق لسيدنا رسول الله  ، قد يغفل عنه كثير منا لا سيما في مجالس الخير ، ألا وهو الصلاة والسلام علي سيدنا النبي  .

ترى البُخل حتى في مجالس العلم والذكر ، فقد يبخل كثير من الحضور إذا سمع اسم النبي أن يُصلي عليه ، والنبي  يقول : ( ويلٌ لمن لا يراني يوم القيامة ، فقالت السيدة عائشة  : ومن لا يراك يا رسول الله ، قال : البخيل ، قالت : ومن البخيل ، قال : الذي لا يُصلي علىّ إذا سمع باسمي ) .

سبع نظريات مجحفة قيلت في المرأة ورد عليها القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

الأولى تقول:

"إن المرأة خلقت من أصل أدنى من الأصل الذي خلق منه الرجل.. ، و إنها مخلوق ثانوي ، خلقت من ضلع آدم الأيسر"
الرد على هذه النظرية:
يصرح القرآن الكريم في آيات متعددة بوحدة الطبيعة التكوينية للجنسين ، و من جملة الايات قوله تعالى :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) ، ( النساء/ 1).
و قوله تعالى:
( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ، لتسكنوا إليها ) ، (الروم/ 21).
و هذا التصريح ، يدل دلالة واضحة ، أنه ليس في القرآن الكريم أثر لما في بعض الكتب المقدسة ، من كون المرأة قد خلقت من أصل أدنى من الأصل الذي خلق منه الرجل ، أو أنها مخلوق ثانوي خلقت من ضلع آدم الأيسر ، إضافة لذلك ليس في النظام الإسلامي نظرية مهينة بشأن الطبيعة التكوينية للمرأة ..
الثانية تقول:

" إن المرأة عنصر الجريمة و الذنب ، ينبعث من وجودها الشر و الوسوسة ، فهي الشيطان الصغير..".
الرد على هذه النظرية:
أن القرآن قد عرض حكاية آدم في الجنة ، إلا أنه لم يشر إطلاقاً الى غواية الشيطان لحواء ، بغية أن تغوي آدم (عليه السلام).
فلم تكن حواء ، هي المسؤول الاصلي ، كما لم تكن خارج دائرة المسؤولية .. ، و هذا ما نعنيه من قوله تعالى:
( و يا آدم اسكن أنت وز وجك الجنة ، فكلا من حيث شئتما ، و لا تقربا هذه الشجرة.. ) ، (الاعراف/ 19).
و شيء آخر أن القرآن ، حينما يأتي على حديث وسوسة الشيطان ، يستخدم ضمير التثنية ليحملمها – آدم و حواء – معاً مسؤولية الوقوع في شراك غواية الشيطان الرجيم ، يقول القرآن:
( فوسوس لهما الشيطان.. ) ، (الاعراف/20).
و يقول:
( و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ، (الاعراف/ 21).
و في هذا المضمار ، قد قارع القرآن نهجاً من التفكير ، كان سائداً آنذاك ، و لايزال يعشعش في بعض زويا عالمنا المعاصر... ، ود فع عن المرأة الاتهام ، بأنها عنصر الذنب و الجريمة ، و أنها الشيطان الصغير..
الثالثة تقول:

" إن المرأة لاتدخل الجنة ، لأنها عاجزة عن طي مراحل الرقي المعنوي و الإلهي ، فهي عاجزة في النهاية عن الوصول الى درجة القرب الإلهي ".
الرد على هذه النظرية:
إن القرآن المجيد صرح في أكثر من أية ، أن الثواب الأخروي و بلوغ القرب الإلهي ، لاينحصر بجنس خاص ، و إنما هو رهن الإيمان و العمل سواء أكان بالنسبة الى الرجل أو المرأة ، فقد قرن ذكر الرجال العظام بذكر إحدى النساء الشامخات ، و قد وقف بإجلال لأمرأة آدم و إبراهيم و أم موسى و عيسى .. ، و يجدر بنا ان نذكر هذه الآية المباركة كشاهد على قولنا ، إن الثواب الأخروي و بلوغ القرب الإلهي ، لاينحصر بجنس دون آخر.. ، و هي قوله تعالى:
( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.. ) ، (آل عمران/195).
الرابعة تقول:

" إن العلاقة الجنسية بالمرأة علاقة منحطة و بالتالي فالمرأة شيء منحط دنيء.. ".
الرد على هذه النظرية:
إن الإسلام قارع و حارب هذه النظرية بشدة ، و اعتبر الزواج ارتباطاً مقدساً ، و العزوبة ظاهرة منحطة ، و طرح ظاهرة حب المرأة بوصفها إحدى خصال الأنبياء الخلقية.
يقول القرآن مرغباً في الزواج كسلوك سوي:
( و انكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم.. ) ، (النور/32).
الخامسة تقول:

" إن المرأة وسيلة بيد الرجل ، و إنما خلقت لأجله ".
الرد على هذه النظرية:
إن النظام الإسلامي ، لايعترف على الإطلاق بهذا المفهوم.. ، فهو يصرح بأن سائر المخلوقات من أرض و سماء و غيرها ، إنما خلقت لأجل الإنسان ، ولو أنه يعترف بهذه النظرية لصرح ولو مرة واحدة ، أن المرأة مخلوقة مسخرة للرجل .. ، و هذا واضح من قوله تعالى:
( هن لباس لكم ، و أنتم لباس لهن ) ، (البقرة/187).

السادسة تقول:

" إن المرأة بلاء لابد منه بالنسبة للرجال ".
الرد على هذه النظرية:
إن الإسلام و القرآن ، يعتبر المرأة بالنسبة للرجل سكناً له و طمأنينة.. ، و هذا ما نعيه من قوله تعالى:
( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ، لتسكنوا إليها ، و جعل بينكم مودة و رحمة) ، (الروم/21).
السابعة تقول:

" إن حصة المرأة من الأبناء لاقيمة لها ، بل هي وعاء لنطف الرجال ، التي تستبطن البذر الأصلي للإنجاب حتى قال شاعرهم – أي أصحاب هذه النظرية:

وإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء

الرد على هذه النظرية:
أن القرآن الكريم وضع نهاية لهذا الطراز من التفكير المتحجر و المتخلف ،حيث ذهب الى القول : إن الابناء ينجبون بواسطة الرجل و المرأة معاً ، و إنهما صناع الحياة وهذا ما نعيه من قوله تعالى: ( فلينظر الانسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب و الترائب) ، (الطلاق/ 5-7).

موقع الشيخ وجدي أبوراس


بسم الله الرحمن الرحيم
(( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا و لا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان امره فرطا ))

رقصة الموت

رقصة الموت ..

إن أساطين الليبرالية المتوحشة ، وأساطين الرأسمالية المتأسدة ، سقطت اليوم ، وسقطت معها مؤسساتهم وبنوكهم وخبراتهم وأفكارهم ومخططاتهم وكل ما يملكون من مقومات حياتهم البالية .
ولقد تعجبت وأنا أسمع في نشرات الأخبار الأساتذة الكبار ، وأساطين الاقتصاد الكبار ، يطالبون الآن بتعديل معدل الفائدة حتى تصل إلى صفر ، بمعنى لا ربا ، وهذا هو الاقتصاد الإسلامي ، بل وازداد عجبي حينما قرأت لأحدهم ، لهذا الاقتصادي الفرنسي الكبير موريس ألي ، الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد ، يقول بالحرف الواحد : " لا مخرج من هذه الأزمة إلا بشرطين ، الأول : تعديل معدل الفائدة حتى تصل إلى صفر ، والثاني : تعديل معدل الضريبة حتى تصل إلى 2 % " ، وهذا ما يساوي مقدار الزكاة في الإسلام .
وهذا أيضاً بيتمان مدير مصرف في فرانكفورت بألمانيا ، قدّم بحثاً رُشح بسببه لنيل جائزة نوبل ، هذا البحث عنوانه " كارثة الفائدة " .
وأستطيع الآن أن ألخص سبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم اليوم في كلمة واحدة وهى : في أنهم تاجروا في النقود ، ولم يتاجروا بالنقود .
فأنا أود الآن بطرح هذا السؤال ، أن أخاطب أؤلئك الذين كانوا لا يصدقون القرآن والوحي ، بل كانوا يقفون في غاية الخضوع والإجلال للوحي الذي يأتي من أوربا وأمريكا .
هل نجحت البشرية أن تعيش سعيدة بعيداً عن منهج الله تعالى ؟ ..
إن أمريكا لازالت ، تردد عبارة عادٍ الأولى ، "من أشدّ منا قوة " ، ترددها بصلف وكبر واستعلاء ، وهى تريد أن تسوق العالم كله بعصاً غليظة ، وتضرب العالم كله الآن بالنعل على أم الرأس ، دون أدنى مراعاة لا للإنسانية ولا للأعراف وللقوانين الدولية ، وهاهي أمريكا اليوم تقع في شر أعمالها ، تستنجد بالعالم اليوم ، أين الذي كان يزعمون ، إنها ترقص الآن رقصة الموت .
وهاهم الأوروبيون والأمريكيون الآن أقول : سقط إلههم الذي كان يعبد في الأرض من دون الله  .

قالوا لنا الغـــرب ، قلنا صنـــاعة وسيـــاحــة ومظـــاهـــر تغرينــــــــا
لكنـــه خـــــاو من الإيمـــــــــــان لا يرعى ضــــعيفاً أو يســر حزينــــا
الغــــــرب مقــــبرة المبـــــــــادئ لم يزل يرمي بسهم المغريـات الديـن
الغــــــرب مقــــبرة العــدالــــــــة كلما رفـــــعت يد أبدى لها الســــكين

نعم ، لم تفلح البشرية أن تعيش سعيدة بعيداً عن منهج الله تبارك وتعالى !..
لقد ضخت أمريكا كحكومة ، سبعمائة مليار دولار ، وبالأمس القريب في اجتماع الدول الأوروبية الثمانية ضخت ثلاثة تريليون ، في محاولة لإنقاذ العالم من هذا الوحل ، ومن هذه الانتكاسة الاقتصادية المروعة ، وأنا أقول : لقد شاء الله تبارك وتعالى أن يفضحهم في عالم الفضائيات ، لأن الأزمة حينما كانت في أوائل القرن الماضي سنة 1929 ما استوعبتها البشرية بالقدر الذي استوعبتها الآن ، لأن الله تعالى شاء أن يُرىَ العالم كله هذه الآثار المرة للشذوذ وللابتعاد عن منهجه تعالى ، بل وأنا أقول لأنهم أعلنوا الحرب عليه وعلى نبيه عليه الصلاة والسلام .
بل وأنا أخاطب الآن الغربيين والشرقيين والأميركيين و أقول : إن الإسلام الذي جعل الله تبارك وتعالى فيه السعادة في الدنيا والآخرة ، ليس ديننا فحسب ، بل هو دين للبشرية كلها ،
بل إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا بالإسلام ، أخاطب اليهود بالقول أن دين نبيكم سيدنا موسى عليه السلام وهو نبينا أيضاً هو الإسلام ، ودين نبيكم سيدنا عيسى عليه السلام وهو نبينا أيضاً هو الإسلام ..


أقول ما بُعث نبي ولا رسول إلا بالإسلام .
فلماذا الإعراض ، ولماذا الاستكبار ، عن هذه الدين ، فقد آن الأوان أن تفيء البشرية كلها التي تهذي كالسكران ، والتي تضحك كالمجنون ، وتجري كالمُطارد ، وهى الآن تئن من الألم ، وتبحث عن أي شيء ، وهى في الحقيقة تملك كل شيء ، ولكنها حينما انحرفت عن منهج الله ، وأعلنت الحرب على الله وعلى رسوله  ، فقدت كل شيء ، وهى الآن تتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس .
أنا أقف مدهوشاً أمام قول ربي جل وعلا :  فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا  ، الضنك في الأموال ، والضنك في الأولاد ، والضنك في الأوقات ، والضنك في الصدور ، فعلى الرغم من كثرة الأضواء تعيش البشرية في الظلام ، وعلى الرغم من كثرة الأسواق تعيش البشرية الفقر ، وعلى الرغم من كثرة الحدائق الغناء ، تعيش البشرية الضيق في الصدور ، والألم في النفوس ، لأنها ببساطة ما طبقت الكتاب الذي وضعه لها خالقها تبياناً لها .

سألني أحدهم يوما

سـألـنى أحـدهـم ..

سألني أحدهم هل يحق لنا أن نفرح بما أصاب أمريكا من هذه الإعصارات والفيضانات ، وما تبعها من هلاك ودمار في بعض ولاياتها ؟ قلت له: ولم السؤال ؟ .
قال: هناك من يقول : إنه لا يجوز لنا أن نفرح ، بل علينا أن نحزن ونأسى لما أصابهم، مشاركة في هذا الوجدان والشعور الإنساني ، امتثالاً لقوله تعالى :  وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم َ ..
قلت له : يا أخي الكريم ، إن هذا الاستدلال غير صحيح ، وهذا وضع للآيات في غير موضعها .
فما علاقة تكريم الإنسان بترك الفرح والسرور على مصاب الكافرين الظالمين المعتدين ؟
بل إننا والله نفرح ونسر بما أصاب هؤلاء الظلمة المتجبرين المتكبرين.

إن أمريكا هي قائدة الظلم والطغيان والجبروت في هذا العصر، استخدمت أموالها التي مكنها الله جلّ وعلا منها في ظلم البشرية في مشارق الأرض ومغاربها ، وتاريخ أمريكا تاريخ أسود على كل المستويات ، وفي شتى أنحاء العالم ، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمة الإسلامية ، فأمريكا أمة كافرة باغية معادة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ومحاربة للمسلمين ، دنَّست كتاب الله وأهانته ، قريبة من كل شرّ بعيدة عن كل خير، حامية الإرهاب في العالم. . من الذي يدعم إسرائيل ؟ من الذي يحمي اليهود بلا حدود ؟
من الذي أباد أفغانستان ؟ من الذي دمر العراق ؟
من الذي يأخذ خيرات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ليعيدها لهم صورايخ وقنابل ورؤوساً نووية ؟
أعظم السجون وأشدها ظلماً وفتكاً هي التي تشرف عليها أمريكا وعملائها ، سجون جوانتانامو وأمثالها ، وسجل جرائمها العالمية يصعب حصره لا ينافسها في ذلك أحد ، حالها حال من قال الله تعالى فيه : ( وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ  .
أمريكا بسبب قوتها المادية ، تمد ذراعها كما يحلو لها ، لا تأبه بأحد  كَلَّا إِنَّ الْإنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى*إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ، وهي بسبب هذا وغيره أصبحت فتنة لكثير من المسلمين .

ومن عجائب الأمور ، أن نستمع بين الفينة والأخرى ، في القنوات الفضائية ، إلى أساتذة في كليات إسلامية قي إحدى الدول العربية ، يمجدون أمريكا ، ويمنحونها شرعية التدخل في كل مكان من العالم بحجة إنقاذ المستضعفين ؛ لأنها – حسب قولهم – أكبر قوة في الأرض ، ويذكرون كلاماً يسوء كل مسلم أن يسمعه من أي إنسان فضلاً عن أنهم رجال متخصصون في الشريعة ، بل ويدرسون هذا الفكر !
إن قوة أمريكا فتنة وإضلال وضلال وطغيان وجبروت .. فلماذا لا نفرح إذا أصيبت ؟
لقد قال الله سبحانه مخبراً عن سيدنا موسى عليه السلام : وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيم َ , فقال الله جلّ وعلا :  قد أجيبت دعوتكما ؛ لأن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمّن ، فأجاب الله دعوتهما ، ولو لم تكن دعوة شرعية عادلة لما أجاب الله دعاءهما ، حاشاهما أن يدعوا بغير أمر مشروع .. وإذا كان مشروعاً فلم لا نفرح به ؟ ألم يشرع لنا صيام ذلك اليوم الذي استجيبت فيه الدعوة شكراً لله؟ ولماذا لا نفرح وقد دعا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على مضر، وقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" رواه البخاري وغيره .
ألا يحق لنا أن نفرح باستجابة الله لدعاء المستضعفين المظلومين في المشارق والمغارب ؟!
لماذا لا نفرح وما أصابهم عقاب من الله على جرمهم  وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَاد َ .
والعجيب أن بعض اليهود وبعض الإنجيليين الجدد يقولون : إن ما حدث لأمريكا عقوبة من الله جلّ وعلا فهم يعدونها إنذاراً لأمريكا ، بينما نجد في المسلمين من يقول : إن علينا أن نحزن لما أصابها !
إن هذا القول ضلال مبين ، وجهل بالنصوص الشرعية وبعد عن شرع رب العالمين ، فالله لا يظلم  وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ، والمجرم لا يُترك ،  وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

لماذا لا نفرح والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً  .
لقد كانت منة عظيمة من الله جلّ وعلا على عباده ، ومدعاة لفرحهم وسرورهم ، وذلك حين جاءت الريح العظيمة وشتت الأحزاب في غزوة الخندق ، ولذا يذكّر الله بها عباده المؤمنين فيقول :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ .
إننا عندما نرى هذه الريح العاصفة تدمر أمريكا أو بعض ولاياتها ، نعلم أنها نعمة من الله جلّ وعلا تستوجب الحمد والشكر والفرح  وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . فالأحزاب قد تحزبوا اليوم على المسلمين بقيادة أمريكا كما تحزب المشركون بقيادة قريش ، فأرسل الله عليهم هذه الريح والجنود تذكر الغافلين بقدرته سبحانه ، إنها نعمة عظيمة وقدر من الله جلّ وعلا نفرح به ونسر، وتلك سنة الله في أمثالها ، بل وفيمن كان دونها في البغي والظلم .


وقد يقول قائل : أليس فيهم بعض المسلمين ، ألا نحزن لمصابهم ؟
فأقول له: يا أخي الكريم، ثبت في الحديث الصحيح من حديث زينب رضي الله تعالى عنها عندما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم " أنهلك وفينا الصالحون ؟ " قال : " نعم، إذا كثر الخبث ". و معنى ذلك أن الصالحين قد يهلكون في بلاد المسلمين إذا كثر الخبث ، فكيف ببلاد الكافرين ؟
أما المسلمون فمن كان منهم صادقاً فإنه يبعث على نيته يوم القيامة ، كما ورد في الحديث الصحيح فيمن يخسف بهم فإنهم يبعثون على نياتهم ، فلا تعارض أبداً بين تدمير الكفار، ونزول العقوبات، وإصابة بعض المسلمين .
أليس في بعض بلاد المسلمين يقع الطاعون، وهو وباء مهلك، ومع ذلك فهو شهادة ورفعة لمن أصيب بذلك كما ثبت في الحديث الصحيح ؟
وقد يجتمع في النازلة الواحدة أمران ؛ فرح وحزن، فنفرح لهلاك الكافرين، ونحزن لمصاب المسلمين إن أصيب منهم أحد ، ونعلم أن المسلمين ومن يقع عليهم مثل هذا البلاء بغير جرم فهو لهم من الابتلاء والتمحيص والتكفير، ورفعة الدرجات، وقد يكون شهادة للبعض ، كمن مات غريقاً أو في حريق فله أجر الشهداء كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
وقد يقول قائل آخر: ماذا نقول في قوله تعالى :  لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ، والعلماء قد ذكروا أجوبة كثيرة يرجع إليها في مظانها من كتب التفسير، ومن أقواها في ذلك أنه دعا على أناس معينين قد علم الله أنهم سيسلمون وقد أسلموا بعد ذلك.

وقد يقول قائل: إن أبا الدرداء رضي الله عنه بكى لما فتحت قبرص وفرق بين أهلها وأخذوا أسرى ؟
فالجواب عن ذلك مذكور في أصل الخبر والرواية: حيث ذكر بعض أهل العلم كأبي نعيم في الحلية بسند صحيح عن جبير بن نفير، قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها بكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله، إذا هم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.
فبكاء أبي الدرداء رضي الله عنه ليس حزناً عليهم ولا أسفاً ، ولكنه من قوة إيمانه وتدبره وتعظيمه لله سبحانه وخوفه من عقابه ؛ لأن كثيراً من الناس ينطبق عليهم قوله تعالى :  وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ .
وخلاصة القول:
يحق لنا أن نفرح بما أصاب أمريكا، وأن نسرّ بذلك؛ لأن هذا منطق القرآن ومنهج الأنبياء، والمطرد مع الفطرة والعقول الصحيحة، إن ما حدث مطرد مع السنن الإلهية ، والنواميس الكونية.  جَزَاءً وِفَاقاً  ،  وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ،  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ*وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ*وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ*الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ* فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ  .
فلا نامت أعين الجبناء والمهزومين ومرضى القلوب، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
 قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُون َ ،  وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .

التسول المستورد في ليبيا

نحن مجتمع يستورد أشياء كثيرة .. نستورد السلع المختلفة ونستورد التقنية ، ونستورد الأيدي العاملة.. لكن أغرب ما نستورده هو : المتسولون !! أجل ..
نحن نستورد المتسولين من مختلف أنحاء العالم!! وإذا كنا نستورد السلع والخدمات برغبة منا ، فإن المتسولين يصدرون أنفسهم إلينا بالرغم منا !! فنحن لا خيار لنا، وهم يأتون إلينا.. ثم يذوبون في مدن وقرى البلاد لعدة أشهر وأحياناً لعدة سنوات! وبعضهم يتليب.. أي يلبس الملابس الليبية ويتعلم اللهجة الليبية.. وخصوصاً النساء اللاتي يلبسن الفراشية الليبية ويتظاهرن بأنهن نساء ليبيات فقيرات ألقت بهن ظروفهن الصعبة في الشارع.. فما أن نرى هذه المناظر البائسة حتى تغمرنا الشفقة وتنهمر عطايانا دون أن نتردد أو أن نسأل أنفسنا عمن يكون هؤلاء المتسولون والمتسولات ولماذا يتركهم المجتمع بهذا الشكل المهين للكرامة الإنسانية وما هو دور الجهات المختصة!؟
إن مساعدة الفقراء ينبغي ألا تنطلق من نوازع تتعلق بجنسية الفقير وإنما من حب عمل الخير.. لكن هذا لا يعني أنه يتعين علينا أن نستورد الفقراء والمتسولين من الخارج.. فالتسول ظاهرة غير حضارية وينبغي مكافحتها حتى لو كان المتسولون هم من أبناء المجتمع نفسه ، لأن وجود المتسولين يشير إلى تقصير المجتمع تجاه أفراده.. أما أن يستورد المجتمع متسولين من الخارج فهذا عبء إضافي لا يقبل به أي مجتمع.. لكن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب فقط ، فقد اكتشف الكثير من إخواننا على محض الصدفة أن العديد من هؤلاء المتسولين المستوردين هم في الحقيقة رجال أعمال ونساء أعمال .. أي أنهم ليسوا فقراء محتاجين وإنما جاؤوا إلينا بشكل مقصود ومخطط له.. هم ببساطة أناس يبحثون عن الثروة وقد اعترف بعضهم أنه يمتلك في بلده أملاك ، لكنهم يبحثون عن مكاسب سهلة مستغلين طيبة المحسنين!!
ولعل التسول المستورد ينتعش بسبب سلبية الناس ، وهو لن يتوقف عن طريق المكافحة الرسمية وحدها ، وإنما بتعاون أفراد المجتمع .. فطالما أن الناس يقدمون المساعدة لهؤلاء المتسولين ، فلن يتوقف التسول المستورد .. وإذا كنا نريد حماية مجتمعنا من هذه الآفة فلابد أن يمارس كل واحد منا دوره الاجتماعي وألا نكتفي بالشكوى فقط .



فظاهرة التسول تتكرر كل عام وبخاصة عندما يحل في ربوعنا شهر رمضان المبارك ، ومواسم الأعياد !.
ومع الأسف فكل جهود المكافحة تذهب أدراج الرياح لأن أعداد المتسولين تزداد والمؤلم أن ما يشكل أكثر من 90% غير ليبيين كما يلاحظ على أرض الواقع .
إن انتشار التسول له أبعاد أمنية على البيوت والشوارع والمساجد، كما أن فيه تشويهاً لصورة هذا الوطن وأبنائه أمام الآخرين، فضلاً عن أن كثيراً من هؤلاء المتسولين غير مستحقين، وقد سمعنا عن حالات لمتسولين كان في حوزتهم عشرات الآلاف من الدينارات عندما افتضح أمرهم ، ولكنه الطمع في قلوبهم وجيوبهم، واستسهال هذا الأمر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من فتح باب مسألة فتح الله عليه باباً من الفقر).
لكن السؤال: ما دورنا نحن كمواطنين في مكافحة التسول؟
أزعم أن دورنا كبير جداً فلو امتنعنا عن إعطاء هؤلاء المتسولين لكفوا عن التسول ولما رأيناهم بالمئات في المساجد والشوارع ولدى أبواب الناس .
أجل إن دورنا كبير في القضاء على هذه الظاهرة التي لها أخطارها الاجتماعية والأمنية.
إن هذه هي (الوصفة) - في تقديري - هي أنجع علاج للقضاء على (التسول) أو على الأقل الحدّ من هذه الظاهرة.
فهل نفعل ؟ .

مصطلحات في علم الفرائض

يجد القارئ في كتب الفرائض بعض المصطلحات يقف عند كل منها متشوقا لمعرفة معناها فحتى لا تنقطع السبل وحتى لا يقف عن متابعة البحث.
كان من الخير أن نميط اللثام ونكشف النقاب عن بعض هذه المصطلحات في عبارات وجيزة على أن نعود لكل مصطلح منها بتوسع أكثر في محله، ونذكر منها:
الفرض: لغة معناه التقدير، وجمعه فروض ومنه فروض الميراث أي أنصباء الورثة المقدرة كالنصف والربع والثلث والسدس.
والفرض في الاصطلاح : هو النصيب المقدر شرعا للوارث.
أصحاب الفروض: هم الذين لهم سهام مقدرة في كتاب الله تعالى كالزوجة أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالجدة أو في الإجماع كبنت الابن.
السهم: هو الجزء المعطى لكل وارث من أصل المسألة وقد يطلق على النصيب.
التركة: بفتح التاء وكسر الراء أو بكسر التاء وسكون الراء، تطلق على الشيء المتروك.
وفي الاصطلاح هي: ما يتركه الميت صافيا عن تعلق حق الغير بعين منها.
الميراث: هو ما يتركه الميت، ويأتي مرادفا للإرث والتراث.
واصطلاحا: هو حق قابل للتجزيء يثبت لمستحقه بعد موت من كان له ذلك، لقرابة بينهما أو نحوها كالزوجية والولاء.

التعريف بعلم الفرائض والمواريث

الفرائض : جمع فريضة ؛ وهي مأخوذة من الفرض الذي له عدة معان لغوية ؛
منها : التقدير ؛ كما في قوله تعالى : ) وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم( [البقرة : 137] ؛ أي قدَّرتم .
ومنها : التبيين ؛ كما في قوله تعالى : ) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم( [التحريم : 2] ؛ أي بيَّن .
ومنها : التنزيل ؛ كما في قوله تعالى : ) إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد( [القصص : 85] .
ومنها الإحلال ؛ كما في قوله سبحانه : ) ما كان على النبيّ من حرجٍ فيما فرض الله له( [الأحزاب : 38] .
وهـذه المعاني اللغوية كلّها موجودة في الميراث ؛ لأنّ سهام الوارثين فيه مقدَّرة ، قد بيَّنها الله تعالى ، وأنزلها في كتابه ، وأحلَّها للوارثين .
والمواريث : جمع ميراث .
ولفظ ميراث في اللغة مصدر من : وَرِثَ يَرِثُ إِرْثاً وميراثاً .
وهويطلق في اللغة على معنيين ؛ أحدهما : البقاء . ومنه اسم الله تعالى "الوارث" ؛ فإنّ معناه الباقي بعد فناء خلقه .
والمعنى الثاني : انتقـال الشـيء من شخصٍ إلى شخصٍ آخر ، أو من قومٍ إلى قومٍ آخرين ، حسياً كان ؛ كانتقــال المال إلى وارث موجود حقيقة ، أو حكماً ـ كانتقـالـه إلى الحمل قبل ولادتـه ـ ؛ أو معنـويـاً ؛ كانتقال العلم والخلق . ومن ذلك قوله : "العلماء ورثة الأنبياء

بحث مبسط في مبادئ ومصطلحات علم الفرائض

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فلا يخفى على كل طالب علم أنه من المسلمات التي ينبغي لطلب العلم أن يسعى في معرفتها في العلم الذي يريده أن يعرف المبادئ والمصطلحات لذلك العلم .
وهذا الموضوع المفيدة في بابه في هذا العلم الجليل التي تعتبر معرفتها أحد مفاتيح دراسة وفهم هذا العلم، (علم الفرائض ) هو من إعداد : د. نصيرة دهينة أستاذة بكلية العلوم الإسلامية –الجزائر.
أولا: مبادئ علم الفرائض:
مبادئ علم الفرائض عشرة يجمعها هذان البيتان:
إن مبادئ كل عـلـم عشـرة الحـدّ والموضــوع ثم الثمرة
ونســـبته وفضله والواضع والاسم والاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حـاز الشرفا
فهي على التفصيل:
1/ حده: أي تعريفه وهو: "علم يعرف به من يرث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث.
2/ موضوعه: وهو التركة: وهي ما يتركه الميت بعد وفاته.
3/ ثمرته: فائدة تعلمه هو إيصال ذوي الحقوق حقوقهم.
4/ نسبته إلى غيره: هو من العلوم النقلية كالفقه والحديث…
5/ فضله: ما ورد في الأحاديث من الحث على تعلمه وتعليمه.
6/ واضعه: هو الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أولا، وما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته ثانيا.
7/ اسمه: علم الفرائض وعلم المواريث.
8/ استمداده: مستمد من الكتاب والسنة والإجماع.
9/ حكمه: تعلمه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
10/ مسائله: معرفة الوارث ومن لا يرث ومقدار ما لكل وارث ونوع إرثه من فرض وتعصيب، وما يتبع ذلك من حساب الأنصباء، وكيفية عمل المناسخات وقسمة التركات.

الأحد، 21 مارس 2010

إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم

بسـم الله الرحمـن الرحـيم

إلاَّ رسول الله  ...


آهٍ يا مسلمون . . يتطاول الأقزام على النبي الإمام ، وينال السفهاء من سيد الأنبياء ؛
إلى هذا الحد ! يُسيئون لسيدنا المصطفى  ، على مرآ ومسمعٍ من العالم المتحضر ، الذي قُدِّم لنا على أنه نموذج الحضارة وإكسير السعادة ، يُسيئون لسيد الكائنات  ، بلا خجل ولا وجل ، بدعوى حرية التعبير المزعومة .
واللهِ أنا أتحدَّى قزماً من هؤلاء ، أن يتطاول على قسيس أو على أحد الرهبان !
والذي يُدمِ القلب ، أن يتعاطف مع هذه التي يسمونها الدنمارك كل دول أوروبا بالأمس القريب ،
لماذا ؟ ..
لأنَّ المسلمين همجيون ، متطرفون ، أصوليون ، فوضيون ،لا يعيشون إلا في عصور الظلام ، لا يعيشون عصور الديمقراطية المشؤومة ، ولا يعرفون حرية التعبير المزعومة ، لمجرد أنهم قاموا على قلب رجل محب واحد للحبيب ، ليعلنوا عن غضبهم لحبيبهم ونبيهم ؛
وأنا أسأل الآن ؛ من المتطرف ، ومن الإرهابي الآن ؟ حين يُساء لنبينا ونُعبِّر ؟ .. نُتَّهم بالتطرف !!
وهذا ليس بجديد ، فلقد شنَّ أفراخ المستشرقين والملحدون الخُبثاء من قبل على الإسلام والمسلمين ، وأثاروا الشبهات الحقيرة ، وإن دلَّت كلماتهم ، فإنها تدل على عقول أنهكها التحلُّل الأخلاقي ، وأرهقها العجز عن استيعاب الحقائق الكبيرة التي لا يُدرك مغزاها ومعناها مثل هؤلاء الأقزام .
ولكنني أقول : إن تخلَّى أهلُ الأرضِ عن سيدنا رسول الله  ، فإن ربَّهُ الذي بعثه وتولاه ، لن يتخلَّى عنه أبداً ، فلا تتخلّوا أيها المسلمون عن من لن يتخلَّى عنه الله ، حتى لا يتخلَّى عنكم ربكم تبارك وتعالى
لابدَّ أن تتضافر الآن للجهود ، للذبِّ عن الحبيب المحبوب .
فلا إن نال الأقزام من قمة القمم ، ومن ذرة تاج الجنس البشري كله ، فلن يستطيعوا أبداً أن يصلوا إلى هذه السماء العالية ، وإلاّ فهل تصل إلى السماء يدٌ شلاّ !
 يُريدونَ ليُطفِئُوا نُورَ اللهِ بأفواهِهِم واللهُ مُتِمُ نُورِهِ ولو كَرِهَ الكافرون 
 هو الذي أرسلَ رسولَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَهُ على الدينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المشركون 
فالذي سيتولى الدفاع كما دافع عن سيدنا المصطفى  قبل ذلك هو الله  ، القائل سبحانه :
 إنا كفيناك المستهزئين  ،  واللهُ يَعصِمُكَ من الناس  .


فما تطاول بشرٌ على سيد البشر ، إلاّ واقتصّ الله منه لحبيبه في الدنيا قبل الآخرة ؛
أُعلِنُها بملءِ فمي ، في الدنيا قبل الآخرة ، سيقتصّ الله لحبيبه المصطفى  في الدنيا قبل الآخرة ، هذا وعد الله جل جلاله ؛ فقدر سيدنا المصطفى  عند ربنا كبير ، ومكانته عنده عظيمة .

واللهِ ما سبَّ إبليس رب العالمين ، وما سبَّ إبليس أحداً من المرسلين ، كلا ورب الكعبة ،
هؤلاء ألعن من إبليس ، فهؤلاء الأبالسة الذي يتعلم اليوم منهم إبليس اللعين هم ألعن منه وأوقح منه .
فكل من آذى المصطفى ملعون ، وكل مؤمن صادق مأمور بنصرة نبيه  .


نُصرَةُ النبي ليست حماساً فوَّاراً مؤقتاً ، فقلوبنا تنزف مع كل أزمة تمر بها الأمة ، تهيج الأمة وتصرخ وتهتف بحناجر ملتهبة غاضبة ؛ وهذا شعورٌ لا أقللُّ من شأنه ولا ينبغي لأي حاقدٍ أن يقللَّ من المشاعر الفياضة الجياشة التي يجسد بها الصادقون حبهم لرسول الله  ؛


لكنَّ الذي يُدمِ القلب ، ويُحزن النفس ، أن تتوقف هذه المشاعر وأن تتجمد بعد شهرٍ أو شهرين ، كما هو واقع ، ويتناسى كثير من المسلمين الحدث وكأنَّ شيئاً لم يكن ، وهذا أمر متكرر .
فيجب أن نقيم حداً لهؤلاء المهازيل من البشر ، فلا من الأدب مع سيدنا رسول  ، بل ولا حتى مع أنفسنا أن نقف مكتوفي الأيدي .

لذا فأنا أقول : النصرة الحقيقية لسيدنا رسول الله  لا تكون إلاّ باتِّباعه والتخلق بأخلاقه ، فكيف تدّعي أنك تنصر رسول الله ولم تتخلق بعد بأخلاقه ؟ وأنت مضيع للصلوات ؛ وأنت سيء الأخلاق والآداب ؛ كيف ننصر سيدنا رسول الله  ونحن نأكل الربا ، ونحن نعاقر الزنا ، ونحن نأكل أموال اليتامى ، ونحن نؤذي الجيران والناس ، ونحن نهدر المال العام ونرى أنه لا صاحب له ؟ .
فليسأل كل واحد منا الآن نفسه ، فهل نحب رسول الله حقاً ؟ .. سؤال مرير بمرارة بُعدنا عن الله تبارك وتعالى !هل يُحِبُّ رسولَ الله  كل واحد منا ، حُبَّاً يفوق حبه لزوجه وولده ونفسه التي بين جنبيه ، سيتضح لكل واحد منا صدقه في هذه الدعوة ؛ فما أيسر الادعاء ، وما أسهل الزعم والتنظير والكلام .
نصرتكم لنبيكم هى في حبكم الصادق له  ، في اتباع سُنّته والزود عنها ، فلينظر كل واحد منا لنفسه ،
أنظر لأوامر النبي القولية ، ولسنة النبي الفعلية والعملية ، ولسنة النبي التقريرية ، أين أنت من قولٍ وعملٍ
وتقرير .


فنحن الآن في حاجة إلى المدافعين عن السُنّة لا بالأقوال فحسب ، بل بالقول والمظهر والقلب والعمل ، لأننا نعيش الآن عصراً أُعلنت فيه الحرب الضروس على سيد الكائنات وعلى سُنّته ، وعلى المتّبعين ، فما أحوج الأمة اليوم إلى من يُحوِّلون السُنّة إلى واقع عملي يتألّق سمواً وروعة وجلالا ..

فما أحوج الأمة اليوم ، بعلماء ها وحُكّامها ورجالها ونساءها ، إلي رسول الله  ، لتطبق سنته تطبيقاً عملياً على أرض الواقع ، إذ لا عزة لها ولا كرامة إلاّ إذا عادت من جديد ، لأثر النبي الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فأقلَّ ما تستطيع عمله هو أن تقاطع بضائع من يحاربونك ، من يحاربون نبيك ويحاربون الإسلام والمسلمين ...
هيّا من الآن .. دقق الفحص وأمعن النظر في كل ما تشتريه من البضائع ، قبل أن تشتري دقق من أين جاءت هذه البضاعة ، ولتكن عادة ، وعلّمها غيرك ، حتى يعلم الغرب الحاقد ، قدر رسول الله عندنا ،
فهذه مسؤوليتكم أيها المسلمون ، وهذا دور كل واحد منكم ، ولا ينبغي أن يدّعي أحدٌ منا أنه لا دور له ولا مسؤولية يتحملها ، بل أنت مسؤول أمام الله جل وعلا ، فاتقي الله على قدر استطاعتك ، واتقوا الله ما استطعتم ، والله  سيجعل في هذا الجهد ولو كان ضئيلاً الخير بإذن الله عز وجل ، ووعد الله قائم ينتظر العُصبة المؤمنة التي تقوم وتعلو لمستوى هذا الدين .


وفي الختام .. أختم بعلامة لعلامات الحب الصادق لسيدنا رسول الله  ، قد يغفل عنه كثير منا لا سيما في مجالس الخير ، ألا وهو الصلاة والسلام علي سيدنا النبي  .

ترى البُخل حتى في مجالس العلم والذكر ، فقد يبخل كثير من الحضور إذا سمع اسم النبي أن يُصلي عليه ، والنبي  يقول : ( ويلٌ لمن لا يراني يوم القيامة ، فقالت السيدة عائشة  : ومن لا يراك يا رسول الله ، قال : البخيل ، قالت : ومن البخيل ، قال : الذي لا يُصلي علىّ إذا سمع باسمي ) .

سبع نظريات مجحفة قيلت في المرأة ورد عليها القرآن



بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

الأولى تقول:

"إن المرأة خلقت من أصل أدنى من الأصل الذي خلق منه الرجل.. ، و إنها مخلوق ثانوي ، خلقت من ضلع آدم الأيسر"
الرد على هذه النظرية:
يصرح القرآن الكريم في آيات متعددة بوحدة الطبيعة التكوينية للجنسين ، و من جملة الايات قوله تعالى :
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) ، ( النساء/ 1).
و قوله تعالى:
( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ، لتسكنوا إليها ) ، (الروم/ 21).
و هذا التصريح ، يدل دلالة واضحة ، أنه ليس في القرآن الكريم أثر لما في بعض الكتب المقدسة ، من كون المرأة قد خلقت من أصل أدنى من الأصل الذي خلق منه الرجل ، أو أنها مخلوق ثانوي خلقت من ضلع آدم الأيسر ، إضافة لذلك ليس في النظام الإسلامي نظرية مهينة بشأن الطبيعة التكوينية للمرأة ..
الثانية تقول:

" إن المرأة عنصر الجريمة و الذنب ، ينبعث من وجودها الشر و الوسوسة ، فهي الشيطان الصغير..".
الرد على هذه النظرية:
أن القرآن قد عرض حكاية آدم في الجنة ، إلا أنه لم يشر إطلاقاً الى غواية الشيطان لحواء ، بغية أن تغوي آدم (عليه السلام).
فلم تكن حواء ، هي المسؤول الاصلي ، كما لم تكن خارج دائرة المسؤولية .. ، و هذا ما نعنيه من قوله تعالى:
( و يا آدم اسكن أنت وز وجك الجنة ، فكلا من حيث شئتما ، و لا تقربا هذه الشجرة.. ) ، (الاعراف/ 19).
و شيء آخر أن القرآن ، حينما يأتي على حديث وسوسة الشيطان ، يستخدم ضمير التثنية ليحملمها – آدم و حواء – معاً مسؤولية الوقوع في شراك غواية الشيطان الرجيم ، يقول القرآن:
( فوسوس لهما الشيطان.. ) ، (الاعراف/20).
و يقول:
( و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ، (الاعراف/ 21).
و في هذا المضمار ، قد قارع القرآن نهجاً من التفكير ، كان سائداً آنذاك ، و لايزال يعشعش في بعض زويا عالمنا المعاصر... ، ود فع عن المرأة الاتهام ، بأنها عنصر الذنب و الجريمة ، و أنها الشيطان الصغير..
الثالثة تقول:

" إن المرأة لاتدخل الجنة ، لأنها عاجزة عن طي مراحل الرقي المعنوي و الإلهي ، فهي عاجزة في النهاية عن الوصول الى درجة القرب الإلهي ".
الرد على هذه النظرية:
إن القرآن المجيد صرح في أكثر من أية ، أن الثواب الأخروي و بلوغ القرب الإلهي ، لاينحصر بجنس خاص ، و إنما هو رهن الإيمان و العمل سواء أكان بالنسبة الى الرجل أو المرأة ، فقد قرن ذكر الرجال العظام بذكر إحدى النساء الشامخات ، و قد وقف بإجلال لأمرأة آدم و إبراهيم و أم موسى و عيسى .. ، و يجدر بنا ان نذكر هذه الآية المباركة كشاهد على قولنا ، إن الثواب الأخروي و بلوغ القرب الإلهي ، لاينحصر بجنس دون آخر.. ، و هي قوله تعالى:
( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.. ) ، (آل عمران/195).
الرابعة تقول:

" إن العلاقة الجنسية بالمرأة علاقة منحطة و بالتالي فالمرأة شيء منحط دنيء.. ".
الرد على هذه النظرية:
إن الإسلام قارع و حارب هذه النظرية بشدة ، و اعتبر الزواج ارتباطاً مقدساً ، و العزوبة ظاهرة منحطة ، و طرح ظاهرة حب المرأة بوصفها إحدى خصال الأنبياء الخلقية.
يقول القرآن مرغباً في الزواج كسلوك سوي:
( و انكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم.. ) ، (النور/32).
الخامسة تقول:

" إن المرأة وسيلة بيد الرجل ، و إنما خلقت لأجله ".
الرد على هذه النظرية:
إن النظام الإسلامي ، لايعترف على الإطلاق بهذا المفهوم.. ، فهو يصرح بأن سائر المخلوقات من أرض و سماء و غيرها ، إنما خلقت لأجل الإنسان ، ولو أنه يعترف بهذه النظرية لصرح ولو مرة واحدة ، أن المرأة مخلوقة مسخرة للرجل .. ، و هذا واضح من قوله تعالى:
( هن لباس لكم ، و أنتم لباس لهن ) ، (البقرة/187).

السادسة تقول:

" إن المرأة بلاء لابد منه بالنسبة للرجال ".
الرد على هذه النظرية:
إن الإسلام و القرآن ، يعتبر المرأة بالنسبة للرجل سكناً له و طمأنينة.. ، و هذا ما نعيه من قوله تعالى:
( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً ، لتسكنوا إليها ، و جعل بينكم مودة و رحمة) ، (الروم/21).
السابعة تقول:

" إن حصة المرأة من الأبناء لاقيمة لها ، بل هي وعاء لنطف الرجال ، التي تستبطن البذر الأصلي للإنجاب حتى قال شاعرهم – أي أصحاب هذه النظرية:

وإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء

الرد على هذه النظرية:
أن القرآن الكريم وضع نهاية لهذا الطراز من التفكير المتحجر و المتخلف ،حيث ذهب الى القول : إن الابناء ينجبون بواسطة الرجل و المرأة معاً ، و إنهما صناع الحياة وهذا ما نعيه من قوله تعالى: ( فلينظر الانسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب و الترائب) ، (الطلاق/ 5-7).