رســــالــــــة
ســـبيـل النجــاة
بما جــاء به خــاتم الأنبيــاء
تـــألـيــف
وجــدي عبـد اللطــيف سام أبوراس
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 5 )
بـســــم الله الرحـمــــن الرحـــيــم
الحمد لله رب العالمين .. حمداً ليس له عد ولا إحصاء ، والشكر لله شكراً لا حد له ولا استقصاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل :
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم
يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .
ونصلي ونسلم بمحبة وإجلال وتعظيم ، على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد ،،،
إحتفاءاً بذكرى المولد النبوي الشريف ، وعملاً بقوله تعالى : قل بفضـل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .. وقوله تعالى : ومن يعظـم شــعائـر الله فإنها من تقـوى القـلـوب .
نقدم إلى كل المسلمين هذه الرسالة الموجزة ، تفنيداً للأمر الذي اختلف فيه اليوم فئة من المسلمين ، وكما ندعوهم بهذه المناسبة العظيمة ، إلى التخلص من سيطرة الحواس والأهواء ، التي جعلت بعضهم – هدانا الله وإياهم - منهمكين طيلة سنين بالجدل والكلام في دقائق الأمور ، وكأنه ما عرف الحق غيرهم ، مما جعل أعداء الأمة يضربوننا على أم الرأس ، فذلّت الأمة بعد عزة ، وجهلت بعد علم ، وضعفت بعد قوة .
(6 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
وبهذه المناسبة أيضاً أستهل هذه المقدمة بدعوة المسلمين للتمسك والاعتصام بحبل الله المتين ، الذي يحي قلوبنا ، ويجمعنا على عدونا ، في وقت أضحى فيه اجتماع الأمة أحوج ما نكون إليه ، وكما أدعو هم جميعاً إلى نبذ ما يفرّق الصفوف ، ويمكّن الشحناء فتقسوا بذلك القلوب ، فهذا الداء ، وهذا الدواء .
فإنه لا حياة للقلوب إلا بمحبة الله ورسوله ، ولا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم ، وسكنت نفوسهم إليه ، واطمأنت قلوبهم إليه ، واستأنسوا بقربه ، وتنعموا بمحبته .
قال سيدنا النبي : ( ما اختلط حبي بقلب عبد مؤمن فأحبني إلا حرمه الله على النار وأدخله الجنة ) (1)
و إنه لا يكمل الإيمان إلا بالمحبة ، ولا تصح المحبة إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي ومنزلته على كل محسن ومفضل ، ووالد وولد ، ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فإنه ليس بمؤمن والعياذ بالله . .
ولقد أمر الله بإعلاء قدره ، وتشريف مكانته ، وإلزام تعزيزه وتوقيره .
لأن في القلب طاقة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله ، ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات .
وأنه لا دواء لداء الذنوب والسيئات إلا صدق الالتجاء إلى سيد السادات .
والحقيقة التي لا شك ولا مراء فيها .. أنه قد انسد في الظاهر كل طريق غير طريقه ، وانغلق في الباطن كل باب غير باب تحقيقه ، فلا سبيل للتوجه إلا إليه ،
ولا سوى إلا التعلق بجنابه الشريف ، والعكوف على بابه الكريم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أبو نعيم عن ابن عمر والسيوطي صححه .
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 7 )
لذا يجب علينا وجوباً التعلق به ظاهراً وباطناً ، ويبدأ بذلك من : .
تصديقه على الرسالة ، والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في نهيه وأمره ، ونصرته حياً وميتاً ، ومعاداة من عاداه ، وموالاة من والاه ، وإعظام حقه ، وتوقيره ، وإحياء طريقته وسنته ، وبث دعوته ، ونشر سنته ونفي التهمة عنها ، ونشر علومها ، والنفقة في معانيها ، والدعاء إليها ، والتلطف في تعلمها وإعظامها وإجلالها ، والتأدب عند قراءتها ، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم ، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها ، والتحلي بأخلاقه ، والتأدب بآدابه ، والتمسك بتعظيمه وإجلاله ، ومحبة أهل بيته وأصحابه ، ومجانبة من ابتدع في سنته ، ومن التعرض لأحد من أصحابه ، ونحو ذلك من الذوقيات العالية التي غابت عن كثير من المسلمين إلا من رحم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولا يقف الحال علي ذلك - أخي الكريم هداك الله لها - بل يستمر إلي معاونة المسلمين عليها وعلي إعظام حقه وتوقيره ، وطاعتهم فيه ، وأمرهم به ، وتذكيرهم له برفق وتلطف ، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقه ، وتأليف قلوبهم لطاعته ، وترك الخروج عليه .
ومن مقتضيات التعظـيم الأدب معه .. بكل وسائله أدباً واجباً وذوقياً فمن الأدب أن نعظمه ونجله ، لأنه أعظم من تجب من بين الخلق حرمته ومحبته وتبجيله وتوقيره .
ومن الأدب أن نكثر من الصلاة والسلام عليه وخاصة حينما يذكر اسمه الشريف عندنا .
ومن الأدب أن نلتفت بذواتنا ونصغي بآذاننا إلى من يذكره ونترك ما يشغلنا عنه في
الحال تأدباً معه .
ومن الأدب أن نضعه عليه الصلاة والسلام نصب أعيننا .. في كل وقت وحين .
ومن الأدب أن نفهّم بعضنا ما واجبات الخلق نحوه .. وما يلزمنا الأدب معه .
( 8 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
ومن الأدب تعظيمه وإقرار الأخر بذلك .. ووقوفه علي ذلك وتسليمه .
ومن الأدب أن ندافع عنه ما استطعنا إلي ذلك سبيلاً ..
ومن الأدب أن نسعد ونفرح بكل من يدعو إليه وإلى سنته ويحي طريقته ويعظم حرمته .
ومن الأدب أن نوقِّر ونجلّ كل من يعظم مكانته ويجلّ حرمته .
ومن الأدب أن لا يتقدم بين يديه .. بأمـر ولا نهى ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما أمر الله تعالى بذلك في هذه الآية وهـذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ .
فالتقدم بين يدي سـنته وبعد وفاتـه كالتقـدم بين يديـه في حياته ولا فـرق بينهما عـند ذي
كل عقل سليم . يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله .
لأنه هو السبب في هدايتنا ، وإرشادنا إلي سعادتنا الدنيوية والأخروية ، وإخراجنا من ظلمة الكفر والشقاوة إلي نور الإيمان والسعادة مع مقاساته المشقات والمتاعب في ذلك .
وليس من العدل والمروءة أن يجازي علي ذلك بغير كمال التبجيل والتعظيم ،
والأدب والاحترام معه بكل وسائله سواء أكان بالفعل أم بالقول .
ومن الأدب معه أن لا يجعل دعاؤه كدعاء بعضنا بعضا ..
فقد قال الله تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا
وفيه قولان للمفسرين :
أحدهما : لا تدعوه باسمه كما يدعوا بعضكم بعضاً بل قولوا : ( يا رسول الله- نبي الله - سيدنا محمد ) .
والثـاني : أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم منزلة دعاء بعضكم بعضاً إن شاء المدعو أجاب وإن شاء ترك , بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد إجابته
ولم يسعكم التخلف عنها البتة , فإن المبادرة إلى إجابته واجبة والمراجعة بغير إذنه محرمة .
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 9 )
والقرآن مملوء بالآيات المرشدة إلي الأدب معه ، ولما قال المشركون :
يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون أجاب تعالى عنه عدوه بنفسه من
غير واسطة فقال : )ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون .
ولعله ينظر - أخي الكريم - إلى ما أقره الله الحق لنبيه على عظيم نعمه لديه , وشريف منزلته عنده .
لأن قدر سيدنا المصطفى عند ربنا لكبير ، ومكانة حبيبنا عند ربنا للعظيمة ، فو الله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً عليه من سيدنا محمد ، والحقيقة أنه لا يعلم قدر المصطفى إلا خالقه .
قال الله تعالى : ألم نشرح لك صدرك .ووضعنا عنك وزرك . الــذي أنقـض ظهرك . ورفعنا لك ذكرك ...
شـرح : وسَع . والمراد بالصدر هنا : القلب .
قال ابن عباس : شرعه بالإسلام .
وقال سهل : بنور الرسالة .
وقال الحسن : ملأه حكما وعلما .
وقيل : معناه ألم نطهر قلبك حتى لا يؤذيك الوسواس .. ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ؟
قيل : ما سلف مع ذنبك - يعني قبل النبوة .
وقيل : أراد ثقل أيام الجاهلية .
وقيل : عصمناك , ولولا ذلك لأثقلت الذنوب ظهرك , حكاه السمرقندى ورفعنا لك ذكرك :قال يحيى بن آدم : بالنبوة .
وقيل : إذا ذكرت معي , قول : لا إله إلا الله , محمد رسول الله . وقيل : في الآذان.
( 10 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
قال القاضي أبو الفضل : هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه على عظيم نعمه لديه , وشريف منزلته , وكرامته عليه , بأن شرح قلبه للإيمان والهداية , ووسعه لوعي العلم ، وحمل الحكمة ، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه ، وبغضه لسيرها وما كانت عليه ، بظهور دينه علي الدين كله ، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم وتنويهه بعظيم مكانه ، وجليل رتبته ، ورفعة ذكره ، وقرانه مع اسمه .
فلقد خلق الله واصطفى من الخلق الأنبياء ، ثم اصطفى من الأنبياء الرسل ، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمس ، واصطفى من أولي العزم الخليلين سيدنا إبراهيم وسيدنا محمداً عليهما الصلاة والسلام ، ثم اصطفى سيدنا محمداً فشرّفه على كل خلقه ؛ شرح له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وأعلى له قدره ، وزكّاه في كل شيء :
زكّاه في فؤاده فقال سبحانه : ما كذب الفؤاد ما رأى ..
زكّاه في بصره فقال سبحانه : ما زاغ البصر وما طغى .
زكّاه في صدقه فقال سبحانه : وما ينطق عن الهوى .
زكّاه في علمه فقال سبحانه : علّمه شديد القوى .
زكّاه في صدره فقال سبحانه : ألم نشرح لك صدرك .
زكّاه في ذكره فقال سبحانه : ورفعنا لك ذكرك .
زكّاه في طُهره فقال سبحانه : ووضعنا عنك وزرك .
زكّاه كُلّه فقال سبحانه : وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم .
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 11 )
وما من نبيٍ إلاّ ونادى عليه ربنا باسمه المجرد ، إلا المصطفى ؛
قال الله تعالى : يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة .
قال الله تعالى : يا نوح اهبط بسلام منا .
قال الله تعالى : يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا .
قال الله تعالى : يا موسى إنني أنا الله .
قال الله تعالى : يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلىّ
قال الله تعالى : يا زكريا إنا نبشرك بغلام
قال الله تعالى : يا يحى خذ الكتــاب بقوة
فلما أراد سبحانه أن ينادي على الحبيب المصطفى قال :
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ....
هذه مكانته عنده جلا وعلا .
وما ذكر اسمه مجرداً إلا وقرنه بصفة الرسالة والنبوة قال جلا وعلا :
محمدٌ رسول الله
وقال جلا وعلا : وما محمدٌ إلا رسول الله ، وقال جلا وعلا :
ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رِجالِكُم ولكن رسولَ اللهِ وخَاتَمَ النبيين ، فوالله لا يعرف قدر النبي إلا الرب العلي .
* * *
( 12 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
- " قال العلماء في ضوابط قواعد الشريعة : أن الأصل في الأشياء هو المباح ، وأن ما حرمه الله هو عارض يعترض الأصل ، وكما أن الأصل أيضاً هو الطهارة ، وأن النجاسة هي العارض ، فمن هذا نستطيع أن نقول أن ما سكت عنه الشرع ولم ينهى عنه هو في الأصل المباح .
ومن الأشياء التي سكت عنها الشرع ولم ينهى عنها ، هو الاحتفال بذكري مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
لذا فإن الاحتفال بذكرى مولد سيد الكائنات هو مباح ، إن لم يكن واجباً ، لأنه على أقل ما يمكن قوله هو اجتماع المسلمين الذي يحصل به .
يقول الإمام الشافعي : من دعا إخواناً وصنع طعاماً وأوقد سراجاً وأنفق نفقة احتفالاً بميلاد رسول الله فقد فاز بالأمان .
ويقول الإمام معروف الكرخي : ما قريء ميلاد رسول الله على شيء من بُر
( أي قمح ) أو طعام أو ماء فدخل بطن إنسان إلا وتحرك واضطرب ولا يستقر حتى يغفر الله لهذا الإنسان .
قال الله تعالى : قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون
قال العلماء في هذه الآية : فضل الله هو العلم ، ورحمته هو سيدنا محمد .
يقول الله تعالى: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ؛
قال بعض العلماء والمحققون في هذا الباب ( بتصرف ) :
" وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي .
وقد صحّ أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سروراً بميلاد النبي .
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 13 )
وكيف لا نفرح ونبتهج بقدومه إلى هذه الدنيا ، وقد احتفل أهل المدينة من الأنصار بمقدمه عليهم عند الهجرة بالأهازيج والدفوف .
وهل قدوم النبي إلى المدينة أعظم من قدومه إلى هذه الدنيا ؟.
ولقد أنكرت هذه الفرقة على من يظهر الفرح والسرور فقالت : لا نعلم لهذا الاحتفال بالمولد أصلاً في كتاب ولا سنة ! (1)
فيقال عليهم : نفي العلم لا يلزم منه نفي الوجود .
وقولهم : بل هو بدعة أحدثها البطّالون وشهوة نفس اعتنى بها المبتدعون ، والابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين !
فيقال عليهم : كلام ليس بصحيح لأن البدعة لم تنحصر في الحرام والمكروه بل قد تكون أيضاً مباحة ومندوبة وواجبة " .
قال النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) )2)
البدعـة في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله وهى منقسمة إلى حسنة وقبيحة .
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في ( القواعد ) :
البدعـة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ؛
والطريق في ذلك أن نعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا أدخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تزال هذه الطائفة إلى يومنا هذا تنكر جمع المحافل للمولد النبوي الشريف .
(2) هذا الكتاب من أشهر الكتب للإمام النووي وهو حجة على من أنكر .
( 14 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال : وللبدع المندوبة أمثلة .. منها الربط والمدارس ، وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول ، ومنها صلاة التراويح والكلام في دقائق التصوف وفي الجدل ، ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى .
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال : المحدثات من الأمور ضربان :
أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة .
والثـانـي ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال سيدنا عمر (1) في قيام شهر رمضان : ( نعمت البدعة هذه ) يعني أنها محدثة لم تكن وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى .
وروى الإمام البخاري في صحيحه أن زيد ابن ثابت قال : أرسل إلىّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر ابن الخطاب عنده ، قال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل استحر ( أي اشتد ) يوم اليمامة بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله فقال عمر : هذا والله خير .
وقولهم : أن الشهر الذي ولد فيه هو الشهر الذي انتقل فيه إلى الرفيق الأعلى فلما الفرح والسرور بدلاً من الحزن والسكون !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله في سيدنا عمر ابن الخطاب : ( لقد كان فيمن قبلكم في أمم من قبلك ، أناس محدّثون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمتي فإنه عمر ابن الخطاب)
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء (15 )
فيقال عليهم : أن ولادته أعظم النعم علينا ، ووفاته أعظم المصائب لنا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم والصبر والسكون والكتم عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة وهى إظهار شكر وفرح بالمولود ، ولم يأمر عند الموت بذبح ولا غيره بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع فدلّت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته دون إظهار الحزن فيه بوفاته .
وقد قال ابن رجب في كتاب ( اللطائف ) في ذم الرافضة حيث اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً لأجل قتل الإمام الحسين ، لم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف ممن هو دونهم .
فيجب تعظيم هذا الشهر الكريم أي شهر مولده الذي منّ الله علينا فيه بسيد الأولين والآخرين ، فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير شكراً للمولى على ما أولانا به من هذه النعم العظيمة ؛ وإن كان النبي لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئاً من العبادات وما ذاك إلا لرحمته بأمته ورفقه بهم لأنه كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم .
وقد أشار إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين فقال : ( ذاك يوم ولدت فيه ) ، فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه فينبغي أن نحترمه حق الاحترام ونفضله بما فضّل الله به الأشهر الفاضلة ، وهذا منها لقوله : ( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ) وقوله : ( آدم فمن دونه تحت لوائي )
والأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها ، وإنما يحصل لها التشريف بما خصت به من المعاني ، ألا ترى أن صوم يوم الاثنين فيه فضل عظيم لأنه ولد فيه !!
( 16 ) سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء
فعلى هذا إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به اتباعاً له في كونه كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات .
وثبت في الصحيحين (1) من أن سيدنا النبي قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم ، فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله تعالى ؛ فقال النبي : ( نحن أولى بموسى منكم ) ..
فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ؛؛
وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي ، نبي الرحمة في ذلك اليوم ، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة سيدنا موسى في يوم عاشوراء .
ومن أنكر التعظيم لهذا اليوم ولهذا الشهر فلا يجد بد إلا وأن يقر الشكر لله تعالى وأن يظهر الفرح والسرور فيه على ميلاد هذا النبي صلوات الله وسلامه عليه .
فمحبة سيدنا النبي لازمة ، وحقيقة تعظيمه واجبة ، فطوبي لمن عُدّ من جملة محبيه ، وامتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وبذل الجهد في مؤازرته ونصره ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، وآثر ما شرعه علي هواه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري ومسلم .
سبيل النجاة بما جاء به خاتم الأنبياء ( 17 )
فينبغي لكل صادق في حبه أن يستبشر بشهر مولده ويعقد فيه محفلاً لقراءة ما صح في مولده من الآثار فعسى أن يدخل بشفاعته مع السابقين الأخيار ، فإن من سرت محبته في جسده لا يبلى في القبر ، ولم تحصل مرتبة الشفاعة لأهلها إلا بواسطة حبهم لجنابه الأعلى ، وإذا كان الشفعاء الأبرار أورثهم حبه في غيرهم فلا أقل أن يورث عمل المولد الشفاعة في صاحبه وإن نزلت محبته عن محبتهم في المقدار ، ولا يزال بحمد الله تعالى في كل عصر طائفة من الإسلام ملتزمين له غاية الالتزام " .
هذا ما وفقنا الله تعالى لجمعه من أقوال علماء ومحققين ، فليس هناك أحد على وجه الأرض قاطبةً أتى بشيء من عنده ، إنما هو واسطة نقل ، إلا سيدنا رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحى يوحى .
نسأل الله العلى الكريم ، أن يجعلنا من محبيه ، وأن يحشرنا في زمرته ، وأن يجمعنا معه في جنته ،إنه ولى ذلك ومولاه ..
حكم جديد إسمه " لم يفعله رسول الله " صلى الله عليه وسلم .
فالأدعياء والمتطفلون على بساط الحقيقة كثر ، والحقيقة بريئة منهم ولا تعترف لهم بصحة نسبتهم إليها .
وكـل يدعـي وصـلاً بلـيلـى وليـلـى لا تقـر لهـم بـذاكـا
هذا بالإضافة إلى أنهم يشوهون الصورة ويسيئون السمعة ، وهؤلاء الأدعياء يصدق عليهم الوصف النبوي الدقيق الذي يقول : ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور( ..
ولقد بلينا معشر المسلمين بكثر من هؤلاء ، يعكرون صفو الأمة ويفرقون بين المسلمين ويورثون العداوة بين الأخ وأخيه والولد وأبيه .
ويدخلون إلى تصحيح مفاهيم الإسلام من باب العقوق ويسلكون في التمسك بآثار السلف سبيل الجحود ويستبدلون الحكمة والموعظة الحسنة والرأفة والرحمة بالغلظة والجفوة وسوء الأدب وقلة الذوق .
إننا نبرأ إلى الله من هذا كله ونعتبر أن كل ما يخالف الكتاب والسنة ولا يقبل التأويل هو مكذوب دخيل وملصق بأيد آثمة ونفوس ضعيفة .
فإذا دعوت مسلماً يصلي ، ويؤدي فرائض الله ، ويجتنب محارمه وينشر دعوته ، ويعمر مساجده ، ويقيم معاهده ، إلى أمر تراه حقاً ويراه هو على خلافك والرأي فيه بين العلماء مختلف قديماً إقراراً وإنكاراً فلم يطاوعك في رأيك فرميته بالكفر لمجرد مخالفته لرأيك فقد قارفت عظيمة نكراء ، وأتيت أمراً إذا نهاك عنه الله ودعاك إلى الأخذ فيه بالحكمة والحسنى .
فأول مفهوم أضافوه علينا واستحدثوه وابتدعوه ، هو قولهم ( هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، لقد أضافوا علينا حكما جديدا على أحكام الشريعة الغراء ، فالذين يزعمون محاربة البدعة كانوا هم أول من وقع فيها ؛
فتعال معي لنشرح هذا بالضبط سوياً : -
الأمر المتفق عليه إجماعاً عند علماء الأصول ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة الميمونة المباركة ، فالأمر المجمع عليه اتفاقا أن أحكام الشريعة هي كالتالي :
1) الواجب ، 2) الحرام ، 3) السنة ، 4) المكروه ، 5) الجائز أو المباح .
فأي أمر في الشريعة إلا ويندرج تحت إحدى هذه الأحكام ، ولا يمكن أبدا بأي حال من الأحوال أن يخرج أي أمر كان خارج هذه الأحكام ، فجاء هؤلاء المتنطعون الأدعياء ليضيفوا حكما سادسا على هذه الأحكام فأسموه حكم ( لم يفعله رسول الله ) .
فسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا أشياء كثيرة لم يفعلها ولم يأمر بها ولم ينهى عنها ، وهي تدخل تحت حكم الجواز ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها ) الدار قطني .
فكيف لهؤلاء الأدعياء أن يجتروا ويدخلون فعلها في الحرام ، بحجة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال علماء الأصول في ضوابط قواعد الشريعة كما أسلفنا : أن الأصل في الأشياء هو المباح ، وأن ما حرمه الشرع هو عارض يعترض الأصل ، لذلك ما سكت عنه الشرع ولم يأمر به ولم ينهى عنه هو في الأصل مباح .
ولو افترضنا ذلك جدلا أن كل مالم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بدعة وحرام :.
فكيف لصديق الأمة سيدنا أبوبكر رضى الله عنه ، أن يفعل شيئا لم يفعله رسول الله وهو جمع القرآن الكريم ، بعد أن عرض سيدنا عمر عليه بأن يجمع القرآن خوفا عليه من الضياع ، وسأل معاذ ابن جبل فقال له معاذ هذا لم يفعله رسول الله ، ثم هدى الله أبا بكر فجمع المصحف وقال هذا والله خير ، وكلكم يعلم بقية القصة .
ــ فهذا خليفة رسول الله وقد نزل القرآن ليشهد له بأنه صاحب رسول الله ، وهو أقرب خلق الله لرسول الله ، فكيف له أن يبتدع بعد رسول الله ويخالف مالم يفعله رسول الله ، فهو بقول هؤلاء الأدعياء أن أبا بكر كبير المبتدعين وحاش له أن يكون كما يزعمون .
ــ وهدا فاروق الأمة أيضاً سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، يقول في صلاة التراويح قولته المشهورة ( نعمت البدعة هذه ) .
ــ وهذا بلال الحبشي رضي الله عنه ، وهو أول من سن لكل وضوء صلاة ، ولم يأمر به ولم يفعله رسول الله قط ، ولكن حينما علم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أقره . وغيره وغيره كثير .
فلنزم أنفسنا بالعلم والعمل ، وكفانا جدالاً وتنظيراً ، فما أرخص الكلام والزعم ، وما أقل العمل .
فمن أين لهؤلاء الأدعياء لهذه البدعة العظيمة ، إنه لا شك سقم العقول .
مِن مُغالطات دعاة (الفكر التكفيري) ..
مِمّا لا يخفى على ذي نَظَر : أنّ الغَلَط من طبائع البَشَر، بل إنَّ الإصرارَ عليه يكادُ يكونُ - في أحيانٍ ما -طبعاً آخَـرَ مِـن طبائِعهم الإنسانيّة الناقصة التي لا ينجو منها إلا من رحم اللهُ - تعالى - .
لكنَّ ثمّـةَ فـرقـاً بَيِّناً بـين (الــغَلَط) و(المغالطة): فالغَلَطُ سببُهُ الجهلُ، أو عدم إدراك الحقائقِ على أصلها؛ أمّا المُغالطةُ : فإنّها تحملُ معنى الجهلُ المركّب، والتمادي في الغَلَط إلى مُنتهاه، بحيث تكادُ تُغلق على صاحبها أبواب الرجوعِ، أو حتى التفكير به ! .
ولستُ - هاهنا - في مجال الردّ على أغلاط (الفكر التكفيري) وشبهاتِه - تفصيلاً - والنقض على دعاوى أدعيائِه ودُعاتِه - تأصيلاً -؛ وإنّما وَكْدي كلُّه : الردُّ على بعض مُغالطاتهم الّتي يموّهون بها على الجهلاء، فيحسبونهم - بذلك - بُرآء!!
وأنظم ذلك في نقاطٍ -قرأتها لبعض جَهَلَتهم - قريباً - :
أولاً: قولهم : (الفكر التكفيري ليس له وجود)!! وهذه أشدُّ المُغالطات ظُلماً، وأعظمُها إثماً : فالفكر التكفيري لا يزال مستمرّاً منذ فجر التاريخ الإسلامي إلى هذه السّاعة، بل سيخرُجُ بقايا أتباعه مع الدّجّال الأكبر في آخِر الزمان - كما ثَبَتَ وصحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة الكُبرى- .
وما يزالُ المسلمون - فضلاً عن غيرهم - يكتوون بظلام جهلهم، ونار فعلهم!!
وإنكار المحسوس مكابرةٌ للحقّ والواقع - ما لها من دافع - .
ثانياً: وأمّا قولُهُم عن فكرهم ( ! ) - هذا مُستنكرين - : (وهو من فكر الصهيونية)!! فهذا إمعانٌ في المُغالطة، وزيادةٌ في التغليط، فالفكر الصهيوني - بطرقهِ وأساليبهِ - لم يَعُدْ خافياً - في ظل الثورة الإعلامية التي نعيشها - حتى على صبيان المـدارس؛ فلم كل هذه المُكابرة ؟!
ثالثاً: وأمّا قولهُم : (نحن مسلمون نؤدي عبــادات وطاعـات)!! فهذا شأنٌ لا ننكِره منهم وفيهم، بل هو مِن الأوصاف التي بيّنها لنا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثِه الشريفةِ المُحذِّرة من الخوارج، وأفكارهم، وأفعالهم؛ منها قولُـهُ -صلى الله عليه وسلم- : «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم»!!
بل حالُهُم هذا - عباداتٍ وطاعاتٍ - مِن أشدِّ أسباب تغرير العامة بهم، واغترار الشباب بتلبيساتهم !! وإلاّ ؛ فلو كانوا فُسّاقاً ظاهرين - للعبادات تاركين، وللطاعاتِ غيرَ فاعلين - لَمَا وجدوا لهم مُتَّبعين، ولا مؤيّدين!
رابعاً: وأمّا قولهُم: (ولم نُكفِّر أيَّ مسلمٍ، ولا نستبيح مالَ وعِرضَ أيِّ مسلم) فهو التفعيل التطبيقي لمغالطتهم الكبرى - الأولى- مِن إنكار وجود (الفكر التكفيري)؛ فهم -حقّاً- لا يُكَفِّرون مَن يعتقدونهم مُسلمين، فضلاً عن استباحة أموالهم، أو استحلال قتلهم وأعراضهم!!! وإنمّا حالُهُم -ضمن ذلك التلبيس الشيطاني الشديد - أنَّهم يعتقدون المسلمَ كافراً - ضمن شبهات جهلهم، وتُرّهات ضلالهم -؛ فيستبيحون أموالهم، وأعراضهم، ونفوسَـهم؛ عـلى اعتبارهم كافرين، لا أَنّهم مُسلمون!!
خامساً: وأمّا قولُهُم : (نحن لا نُكَفِّرُ أحداً على الإطلاق، والكُفّار لَدينا هم الذين ورد وصفهم بالأحاديث النبيويّة الشريفة)!! فهو دليلٌ ظاهرٌ على جهلهم البشع - من جهة -، ومُغالطتهم الشنيعة - مِن جهةٍ أُخرى -؛ فهل كُلُّ مَن ورد وصفُهُ في الأحاديث النبويّة الشريفة أنه ( كَفَرَ)، أو ( كافر ) : يكون كافراً على الحقيقة؛ بمعنى أنّه مرتدٌّ عن دين الله، خارجٌ مِن ملّة الإسلام ؟!
فعلى هذا؛ ما معنى قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مُخاطباً الصحابة - رضي الله عنهم - :
«لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض»؟! فهل يصفُ هؤلاء الجهلة التكفيريون صحابةَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالكفر - بسبب سوء فهمهم لهذا الحديث - ؟!
وأيضاً؛ ما معنى قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- : « من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»: هل يُكَفِّرون كُلَّ حالفٍ بغير اللهِ - تعالى -، ويخرجونه من ملّة الإسلام ؟!
... وهكذا في أحاديث نبويّة كثيرة، اتفق عُلماءُ السنّة، وأهلُ الحديث على فهمها فهماً واحداً، لا ثاني له : أنّها تحمل معنى الكفر الأصغر، الذي هو من الكبائر، لكنّه ليس مُخرجاً من الملّة؛ إلا بشروط دقيقة جدّاً لا يُـدْركُها إلا أكابر العلماء، دون حدثـاء الأسنان، سفهاء الأحلام.
ومحلّ بيان ذلك في هذه الرسالة : (ضوابط شيخ الإسلام ابن تيمية في التكفير) -ردّاً على بعض الكُتَّاب الذين أخطؤوا في هذه القضيّة بالغَلَط الواضح الصَّريح-....
إذن؛ هؤلاء (الأدعياء التكفيريُّون) -المتلاعبون- يُكَفِّرون المسلمين، ويُخرجونهم من دين الإسلام : بناءاً على جهلهم بهذه الأحاديث، وضوابط فهمها الدقيقة جدّاً؛ فهم عندهم - لتكفيرهم إياهم بالباطل- ليسوا مسلمين !!
سادساً: مِن الغريب جدّاً - والعجيب - ما يدعيه بعض رموزهم ( ! ) حول بعض رؤوس التكفيريين الكبار، ناسبين إليهم أنّه (يرفض تكفـير المجتمع أو الدولـة )!! متناسين أو غافلين أو جاهلين أنّ له كتاباً مشهوراً سائراً سمّاه : «الكواشف
الجلية في كفر الدولة ...» !!!
فأيّ تناقض هذا بين الدعوة والدعوى!؟!
سابعاً: ما أعلنه بعضُ هؤلاء التكفيريين من استعدادهم لمناظرة مَن يتّهمهم بأنّهم تكفيريّون : لعبةٌ سياسيّة ماكرةٌ، يُريدون مِن ورائها دغدغة عواطف العوام ّ، وإثارة حماسات الجهلة الطغام، وإظهار أنفسهم بثوب العلم والمعرفة وهم منها خواءٌ ...
ولقد جرّبنا مناظرةَ بعضٍ منهم -قديماً وحديثاً-: فما وجدنا إلا الجهل، والمُكابَرَة، والإعراض، وتسفيه العُلماء العارفين، والطعن بأئمّة الدين، والغمز الباطل بمخالفيهم؛ تارةً بالإرجـاء، وتارةً أخرى بالعمالة، وهكذا ...
ثامناً: تسميةُ هؤلاءِ التكفيريِّين لاثنين مِن رؤوس دعاة الفكر التكفيري - المشاهير! - على اعتبار أنّهما (مرجعيتهم في هذا الإطار) - التكفيري-!! تدلُّ على شيئين :
الأول: أنّهم مقطوعو الصلة بأهل العلم الربّانيّين، وأئمّة السنة والعقيدة والدين - المُتَّفق على مكانتهم، والمُجْمَع على إمامتهم -؛ فلم يذكروا عالماً مُعتبراً واحداً، سوى هذين الرأسين !!! ورسولُنا × يقول : «إنَّ مِن أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر» .
الثاني: أنّ حُجَجَهم في تكفيرهم الحَلَزوني للمسلمين - ممّا لا يعدّونه هم تكفيراً لمسلم -واهية واهنة!!
ذلكم أنّ لهذين الرأْسَين المذكورَين مؤلَّفاتٍ عدةً، وكتابات مُتعدّدة - معروفة، ومنشورة - أفرغوا فيها آراءهم، وجمعوا فيها شبهاتهم : فلم نَرَ فيها - بعد التأمل والدراسة الدقيقة - إلا التمويه، والتسفيه، والتشويه؛ ملفوفاً ذلك كلُّه بثوب العُجبِ، ورداء التعالُم، فضلاً عمّا فيها من مخالفاتٍ ظاهرة كبرى لنصوص العُلماء، وأقوال الأئمّة الكُبراء؛ الذين لايقيمون لهم وزناً، ولا يرفعون لهم رأساً .
تاسعاً: نصيحةٌ صادقةٌ، نابعةٌ مِن قول سيدنا النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة ... » أوجِّهها لهؤلاء :
أن يتقوا اللهَ - تعالى - في أنفسهم، وفي المسلمين، وأن يتوبوا من آرائهم الغاليةِ المتطرّفة - تلك -، وأن يعودوا إلى العُلَماء الربّانيين ليأخذوا عنهم، ويستفيدوا منهم؛ بدلاً من الطعن الباطل فيهم، والإنكار الفاشل لإمامتهم ومكانتهم، وأن يفيئوا إلى أُسَرِهم، وبيوتهم، ومجتمعاتهم، وأوطانهم : ليكونوا صالحين مصلحين؛ بدلاً من هذا الفساد والإفساد الّذي يصدّرونه - جهلاً وإصراراً - بإسم ( الإسلام )، وهو مِن ذلك براءٌ ..
اللهم صل وسلم وبارك ، وأتحف وأنعم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. والحمد لله رب العالمين .
* * *
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق